لب اللباب فی طهاره اهل الکتاب، دراسه موضوعیه...

اشارة

سرشناسه : مرتضوی لنگرودی، محمدحسن، - 1308

عنوان و نام پديدآور : لب اللباب فی طهاره اهل الکتاب، دراسه موضوعیه.../ محمدحسن المرتضوی النگرودی

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاریان، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : ص 127

فروست : (بحوث فی فقه الامامیه 4)

شابک : 964-438-005-32500ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع : اهل کتاب -- طهارت

رده بندی کنگره : BP185/2/م4ل2 1376

رده بندی دیویی : 297/352

شماره کتابشناسی ملی : م 77-10995

التمهيد

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث بشريعة سمحة سهلة رحمة للعالمين محمّد المختار و على آله و أهل بيته المعصومين سيّما قائمهم الإمام المنتظر المدّخر لإقامة العدل و إعزاز المسلمين و إكرام المؤمنين و اللعنة الدائمة على أعدائهم و منكري فضائلهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أمّا بعد، فيقول العبد المحتاج إلى ربه الغنيّ محمّد حسن المرتضويّ اللنگروديّ ابن فقيه أهل البيت آية اللّه العظمى السيّد مرتضى الحسينيّ اللنگروديّ قدّس سرّه نزيل قمّ المشرّفة و الحوزة العلميّة حرم أهل البيت و عشّ آل محمّد عليهم السّلام:

إنّ من المسائل التي اختلفت فيها آراء فقهاء الإسلام منذ أمد بعيد هي مسألة طهارة أهل الكتاب و نجاستهم و إن كان المشهور بين فقهاء أصحابنا الإماميّة نجاستهم، و قد ذهبت ثلّة من قدمائنا و جماعة من المتأخّرين إلى الطهارة، كما أنّ المعروف بين علماء الجمهور طهارتهم، و قد ذهبت ثلة منهم إلى النجاسة، فهم على عكس ما عليه علماء الإماميّة كما سيمرّ بك.

و من المؤسف له جدّا و يجزّ في النفس و يقطع أنياط القلب تدخّل الأجانب و الكفّار و نفوذهم في البلاد الإسلاميّة حتّى أدّى ذلك إلى شدّة المخالطة و العلائق

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب،

ص: 6

و الارتباطات الاجتماعية بين الأمم الإسلاميّة و دول الكفر من أهل الكتاب و غيرهم في الأعصار المتأخّرة لا سيّما عصرنا الحاضر بحيث أدّى ذلك إلى أن خضع المسلمون الأحرار الغيارى إلى الأجانب الكافرة في جميع ما يحتاجون إليه في حياتهم و إدامتها في جميع شئونهم حتّى البقول و الخضرويّات، بل الماء كما في بعض البلدان الإسلاميّة.

و كان ذلك نتيجة عمالة زعماء المسلمين و سوء سياستهم، و تدبيرهم، و إلقاء أنفسهم في إحضان الاستعمار، و عدم مبالاتهم في حفظ نواميس الشرع الإسلامي، و انتهاك حرمات الشريعة المقدّسة السمحة السهلة، و توّغلهم في الملاذّ و الشهوات فأصبحت الأمة الإسلاميّة- و مع كلّ الأسف- مفتقرة إلى دول الأجانب خصوصا الغرب المنحطّ في جميع شئونهم بعد ما كانت سيّدة العالم غنيّة في ثقافتها، و علومها و فنونها و في جميع الحياة و حقولها حينما كانت الأروبّيّون طامسون في التوحّش و البربريّة و الجهالة و الضلالة، و قد حازوا مدارج الرّقى و التمدن و الحضارة من علوم المسلمين و حضارتهم كما يشهد بذلك التأريخ المدوّن.

و الأسف كلّ الأسف بل يجزّ قلب المسلم الحرّ و يلتهب نارا حينما نرى الغربيّين الكفّار في عصر الصحوة الإسلاميّة يحتاجون إلى المسلمين و بلادهم الغنيّة من نواح شتّى و جهات عديدة كاحتياجهم إلى النفط (البترول) و مشتقّاته و سائر المعادن القيّمة. و قد اختزن اللّه تعالى أكثرها في الدول الإسلاميّة و مع ذلك استعبدوا المسلمين و استثمروا بلادهم و حكموا على رقاب المسلمين علماءهم الخونة فأخذوا زمام أمور المسلمين بأيديهم الأثيمة، و صار أبناء الشعوب الإسلاميّة تحت سيطرتهم و نفوذ أفكارهم و آرائهم الغاشمة و ثقافتهم المسمومة الفتّاكة يفعلون بهم ما

لب اللباب

في طهارة أهل الكتاب، ص: 7

يشاءون و المسلمون في سبات و غفلة.

و لو كان لرؤساء الدول الإسلاميّة و زعمائهم يقظة و فطانة و عرق دينيّ لما تسلّط عليهم الأجانب و لما صارت الأمّة الإسلاميّة أذلّاء و مغلوبين في أمورهم.

و لا بدّ للأمم الإسلاميّة و غيارى المسلمين و شبّان الإسلام و من انكشفت لديهم الحقائق و عرفوا زيف الدول الحاكمة عليهم أن يصرخوا في وجوه زعمائهم يتبرّوا في مجتمعاتهم ضد المستكبرين و الاستعمار و عملائهم الأشرار، أ ليس قول اللّه تعالى:

إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدٰامَكُمْ «1» و قوله عزّ من قائل وَ لٰا تَهِنُوا وَ لٰا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «2» و قوله سبحانه فَلٰا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللّٰهُ مَعَكُمْ «3» و قوله تبارك و تعالى اعْتَصِمُوا بِاللّٰهِ هُوَ مَوْلٰاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلىٰ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ «4» إلى غير ذلك من الآيات، و لا بدّ لهم من كسر القيود و الخروج من الذلّة و الإسارة و التشرّف و التأدّب بالآداب الإسلاميّة و حقائقها الرّاهنة لتمدّ أشعتها الذهبيّة التي توحي السعادة و الحياة الطيّبة إلى جميع البلدان الإسلاميّة و بيوت المسلمين في أنحاء العالم.

نعم الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بعد ثورتها المظفّرة تصدّت لقطع أيادي الاستعمار و قمع نفوذ الأجانب و قلع تعلّقات المستكبرين من النّواحي الشّتى. و قد وفّق و الحمد للّه لقطع بعض ذلك و نرجو من زعماء الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة أن يقطعوا دابر الكفّار و الأجانب بالكلّيّة حتى تصبح بعنايته تعالى مستقلّة في جميع

______________________________

(1) محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم: 7.

(2) آل عمران: 139.

(3) محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم:

35.

(4) حجّ: 78.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 8

الجوانب و النواحي حتّى تكون أسوة لسائر الدول الإسلاميّة و ليس الصبح ببعيد.

و كيف كان، اختلطت الأمم الإسلاميّة بأهل الكتاب اختلاطا شديدا من جوانب و جهات عديدة كاد أن يصعب بل يتعذّر أحيانا أن يمتنعوا عن معاشرتهم و يتحذّروا عمّا يصل إليهم من نواحيهم و المعمولة في بلادهم.

و لا يخفى أنّ الأمتعة و الألبسة و ما شابه ذلك، المجلوبة من بلاد الكفر في عصرنا الحاضر و إن كانت معمولة بالمكائن و الآلات الصناعيّة الجديدة و بدون ملامسة الأيدي مباشرة غالبا إلّا أنّه من المستبعد جدا- لو لم يكن من المحال عادة- عدم ملاقاتها بأيديهم مع الرطوبة و لو في مراحل طويلة و زمن طويل.

هذا من جانب و من جانب آخر ابتليت الأمّة في بعض الدول الإسلاميّة بل في بعض بلدان مملكتنا هذه باستخدام اليهود و النصارى أو بالعكس بحيث يصعب عليهم الاجتناب عنهم لو حكم عليهم بالنجاسة الذاتيّة.

و لمثل هذا بين حين و آخر تأتي الاستفتاءات من نواحي شتّى و يسألون الفقهاء و مراجع التقليد و يستفتونهم من هذه الجهة قائلين بأنّهم في ضيق و حرج شديد، فقد وقع المؤمنون الذين يراعون الطهارة و النجاسة في عسر و حرج شديد من ناحية معاشرتهم مع أهل الكتاب و الاجتناب عمّا يصل إليهم من منتوجات بلادهم و مصنوعاتها و أمتعتها و مباشرتها مع أيديهم الرطبة.

و في سالف الزمان عند إلقائنا مباحث الطهارة على جمع من طلبة العلوم الدينية الأعزّاء في الحوزة العلميّة بقمّ عشّ آل محمّد صانها اللّه من الحوادث و البليّات تعرّضنا لمسألة نجاسة الكفّار و ذهبنا إلى ما هو المشهور بين أصحابنا الإماميّة من الحكم

بنجاستهم مطلقا من غير فرق بين الكتابيّ و غيرهم. و لكن بعد تجديد النظر

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 9

و ملاحظة الأخبار بالتفصيل و تدقيق النظر و التدبر في فتاوى الفقهاء الأعلام رأينا عدم ثبوت إجماع محقّق على نجاسة أهل الكتاب بحيث يعتمد عليه حتّى يصعب مخالفته و غاية ما هناك هو اشتهار القول بالنجاسة عندهم.

و على تقدير ثبوت الإجماع كما ادّعي- لم يكن من الإجماع التّعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام حتى يكون حجّة بل هو محتمل المدرك، أو مظنونه لو لم يكن مقطوعة و قد قرّر في محله عدم حجيّة الإجماع المدركيّ.

و الأخبار التي يستدلّ بها لنجاستهم غير واضحة الدلالة على نجاستهم الذاتيّة، بل غير سليمة عن المناقشة و الإشكال، مع وضوح دلالة غير واحد من الأخبار على طهارتهم الذاتيّة كما سيتّضح لك جليّا بعون اللّه و قوّته.

و يظهر من أسئلة أجلّة الرواة و كبراء المحدثين عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام- كما صرّح بذلك أيضا بعض الأساطين قدّس سرّه «1» و قد سبقه في ذلك صاحب تفسير مجمع البيان قدّس سرّه- على ما حكي عنه «2»- أنّ طهارتهم الذاتيّة كانت مفروغة عنها عندهم، و كانوا يسألون عن حكم نجاستهم العرضيّة بلحاظ أكلهم لحم الخنزير، و شحمه، و شرب الخمر و عدم اجتنابهم عن البول و الجنابة و غيرها من النجاسات كما سنشير إليها عند عرض الأخبار الواردة فارتقب.

و لو سلم دلالة الأخبار على نجاستهم في حدّ ذاتها لو خلّيت و نفسها إلا أنّه بقرينة صراحة ما دلّ على طهارتهم لا بدّ من تأويلها بحملها على النجاسة العرضيّة باعتبار عدم اجتنابهم عن النجاسات، و يكون المراد من عدم نجاستهم

هو طهارتهم الذاتيّة

______________________________

(1) التنقيح: ج 3/ 59.

(2) مستمسك العروة الوثقى: ج 1/ 377

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 10

بحيث لو نظّف اليهوديّ أو النصرانيّ بدنه من الأقذار و غسّل بالماء الطاهر لما وجب الاجتناب عنه عند ذلك.

فإن تمّ ما ذكرنا فلعلّه يفتح بابا جديدا أمامنا و ترتفع المشكلة العويصة التي ابتلينا بها، و يمكن القول بعدم العلم بملاقاة الأمتعة و الأغذية، و الأدوية المجلوبة من بلاد الكفر بأجسادهم و أيديهم الرطبة الملوّثة بالنجاسات الّتي عليها فقهاء الإماميّة قدّس اللّه أسرارهم، فيكون وزان أهل الكتاب وزان سائر فرق المسلمين حينما يخالفونا في جملة من النجاسات، و عدم اجتنابهم عن النجاسات الّتي عليها فقهاؤنا الإماميّة، و في كيفيّة تطهير المتنجّسات، مع ذهاب معظمهم إلى طهارة أهل الكتاب و معاشرتهم و مخالطتهم إيّاهم.

بل يكون وزان أهل الكتاب وزان سائر فرق المسلمين بل أبناء الشيعة غير المبالين بالنجاسات فكما أنّ المسلم بما هو مسلم طاهر ذاتا و عدم اجتنابهم عن بعض النجاسات و معاشرتهم مع من لا يبالي بالطهارة و النجاسة، أو عدم مبالاتهم عنها لا يستلزم الاجتناب عما يصل إلينا من ناحيتهم إلّا إذا علم بملاقاته مع أيديهم الرطبة النجسة، كذلك الأمتعة و الأدوية و الأشياء المجلوبة من بلاد أهل الكتاب فإنّه لا يحكم بنجاستها إلّا إذا علم بملاقاتها مع أجسامهم و أيديهم الرطبة الملوّثة القذرة و إلّا فهي محكومة بالطهارة و إن علم بملاقاتها مع أجسامهم و أيديهم غير المعلوم قذارتها.

و لا يخفى على ذوي النهي و أرباب البصيرة أنّه إنّما ذهبنا إلى طهارة أهل الكتاب حسبما أدّته ظواهر الكتاب و السنّة و الأدلّة الشرعيّة لتسهيل الأمر على الأمّة الإسلاميّة لئلّا يشقّ عليهم ما

يصل إليهم من ناحيتهم و لا يكونوا في ضيق و ضنك

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 11

و لكن لا يعني ذلك أن لا نحذر الكفّار و اليهود و النصارى و نتّخذهم بطانة من دون المؤمنين فإنّهم يتربّصون بالمسلمين الدوائر.

و أهدافهم التوسعيّة و هجومهم الثقافيّ إنّما يتبلور في غزوهم بلاد المسلمين و نهب ثرواتهم، و استثمارهم و استعبادهم و تمزيقهم و التشكيكات في عقائدهم الحقّة بأيّ وسيلة و ذريعة ممكنة فلا بدّ و أن نكون على يقظة و بصيرة تامّة و أن لا يستغلّوا فتوى طهارتهم النفوذ في بلاد الإسلام و في حقول أعماق حياة المسلمين و مجتمعاتهم فهذا من الخطر العظيم الذي دهانا بالأمس في الأندلس الإسلاميّة و فقدناها بين ليلة و ضحاها فالحذار!! الحذار!! من الكفر و الكفّار من أيّ قسم كانوا، و الكفر ملّة واحدة.

و حيث إنّ رسالتنا هذه حصيلة ما جاء في كتب أصحابنا الإماميّة، و إنّها مستقاة من مصنّفات فقهائنا العظام، و اقتباس و تنقيب ما أثبتوه في زبرهم القيّمة، و نتيجة ما أتبعوا أنفسهم الزكيّة مع زوائد ظفرنا بها، و روائح فكرية عثرنا عليها بعون اللّه و قوّته فيلائم أن تسمى ب لبّ اللّباب في طهارة أهل الكتاب و اللّه من وراء القصد و هو وليّنا و إنّه خير ناصر و موفّق و معين و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 13

[تحرير محل النزاع]

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين و على أهل بيته المعصومين و اللّعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

و بعد، لا ينبغي الاستشكال في نجاسة الكافر في الجملة

عند أصحابنا الإماميّة، و حكي عليه الإجماع بقسميه. نعم عن صاحب المدارك الإشكال في نجاسة الكفّار مطلقا.

و بالجملة، لا خلاف يعتد به في نجاستهم، بل في الجواهر: لعلّ نجاسة الكافر في الجملة من ضروريّات المذهب «1». و إلى هذا يشير ما عن الوحيد البهبهانيّ قدّس سرّه في حاشية المدارك: إنّ الحكم بنجاسة الكافر شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة بل و عوامّهم يعرفون أنّ هذا مذهب الشيعة، بل و نسائهم و صبيانهم يعرفون ذلك، و جميع الشيعة يعرفون أنّ هذا مذهبهم في الأعصار و الأمصار «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 6/ 42.

(2) مفتاح الكرامة: ج 1/ 142.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 14

هذا ما عليه أصحابنا الإماميّة في نجاسة الكفّار في الجملة و أما أهل الكتاب فالمشهور عندنا نجاستهم.

و أمّا العامّة فالمشهور بينهم طهارتهم، فعن المغني ج 1/ 49: إنّ الآدميّ طاهر و سؤره طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند كافّة أهل العلم.

و عن صاحب البدائع ج 1/ 63: سؤر الطاهر المتّفق على طهارته سؤر الآدميّ بكلّ حال مسلما كان أو مشركا.

و حكى نحوه أو قريب منه عن الغزاليّ في الوجيزة ج 1/ 4، و ابن الحجر في فتح الباري، و صاحب الإقناع ج 1/ 74 إلى غير هؤلاء ممّن يطول بنا ذكرهم.

و في تفسير روح المعاني:

«روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه أنّ أعيان المشركين نجسة كالكلاب و الخنازير، و أخرج أبو الشيخ، و ابن مردويه عنه رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من صافح مشركا فليتوضّأ، أو ليغسل كفّيه، و أخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جدّه قال: استقبل

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم جبرئيل عليه السّلام فناوله يده فأبى أن يتناولها فقال: يا جبرئيل، ما منعك أن تأخذ بيدي؟! فقال: إنّك أخذت بيد يهوديّ فكرهت أن تمسّ يدي يدا قد مسّها يد كافر فدعى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بماء فتوضّأ فناوله يده فتناولها» «1» و حكى عن صاحب الكشّاف أن أعيان المشركين نجسة كالكلاب و الخنازير.

و في تفسير الفخر الرازيّ عند قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «2».

______________________________

(1) روح المعاني: ج 10/ 67.

(2) التّوبة: 28.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 15

«اعلم أنّ ظاهر القرآن يدلّ على كونهم أنجاسا فلا يرجع عنه إلّا بدليل منفصل، و لا يمكن ادّعاء الإجماع فيه لما بيّنّا أنّ الاختلاف فيه حاصل. و عن الحسن: من صافح مشركا توضّأ، و هذا قول الهادي من أئمّة الزيديّة» «1».

و عن فتح الباري نسبة القول بالنجاسة إلى أهل الظاهر، و عن ابن حزم في المحكيّ ج 1/ 129- 130 التصريح بالنجاسة، و تعجّب من القول بطهارة المشركين قائلًا: «و لا عجب في الدنيا أعجب ممّن يقول فيمن نصّ اللّه تعالى أنّهم نجس!، إنّهم طاهرون. و عن الشوكانيّ في نيل الأوطار، نسبة نجاسة الكافر إلى مالك.

و بالجملة جمهور العامّة و إن ذهبوا إلى طهارة الكتابيّ إلّا أنّه يوجد القول بنجاستهم بين الصحابة، و التابعين، و المفسّرين و الفقهاء منهم.

فظهر أنّ القول بنجاسة الكفّار في الجملة ليس من منفردات الإماميّة فما يظهر من علم الهدى قدس سره في الانتصار: «إنّ نجاسة الكفّار من منفردات الإماميّة «2»» ليس كما ينبغي.

و بعد ما عرفت ثبوت نجاسة الكافر في الجملة يقع الكلام في أنّ النجاسة هل هي

ثابتة لهم بقول مطلق حتّى يصحّ أن يقال: إنّ كلّ من صدق عليه أنّه كافر يكون نجسا أو تخصّ بعض الكفّار؟

أقسام الكفر

قد ذكر للكفر و ما الحق به أقسام أشار إليها العلّامة الكبير الطباطبائيّ اليزديّ قدس سره

______________________________

(1) تفسير الفخر الرازيّ: ج 16/ 24.

(2) الانتصار/ 10.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 16

في كتابه القيّم، العروة الوثقى.

1- إنكار وجود الصانع تعالى و الاعتقاد بأنّ مادّة هذا العالم قديم بالذات.

2- إنكار توحيد الذات القديم المتعال من حيث المبدئيّة، و القول بأصلين قديمين بالذات أو أكثر.

3- إنكار توحيده تعالى في مقام الفاعليّة و القول بأنّ المؤثر في الحوادث و الموجودات غيره تعالى.

4- إنكار توحيده تعالى في مقام العبادة، و إشراك غيره تعالى في العبادة.

5- إنكار الرسالة- مطلقا- أي إنكار رسالة جميع الأنبياء عليهم السّلام.

6- إنكار رسالة بعض الأنبياء كإنكار نبوّة نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم.

7- إنكار ضروريّ من ضروريّات الإسلام مطلقا أو في الجملة.

8- إنكار المعاد.

9- الخوارج، و النواصب.

10- الغلاة.

11- المجبّرة.

12- المفوّضة.

13- المجسّمة، و المشبّهة.

14- القائلون بوحدة الوجود، إن التزموا بلوازم مذهبهم.

15- غير الاثني عشريّ من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين، و لا معاندين لسائر الأئمّة عليهم السّلام و لا سابّين لهم.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 17

هذه هي الأقسام التي أشير إليها في كتاب العروة الوثقى، يجمعها الكفر، و الكفر لغة الستر، و يسمّى الرجل كافرا لستره الحق، و الستر له مراتب، فهو من الماهيّات المشكّكة، فأعلى مراتبه إنكار وجوده تعالى، ثمّ إنكار التوحيد بمراتبه الثلاثة- من الذات و الصفة و العبادة- ثمّ إنكار الرسالة المطلقة، ثمّ إنكار الرسالة الخاصّة، ثمّ إنكار أصل الإمامة و الخلافة، ثمّ إنكار

المعاد في الجملة، و فيما بين تلك الأمور مراتب عديدة.

و قد أطلق الكفر و الكافر على هذه الأقسام في الكتاب و السنّة، و في لسان المتشرّعة.

و المهمّ إثبات النجاسة و أنّها هل تثبت لجميع الأقسام المذكورة، أو يخصّ بعضها.

ما هو المتيقّن من نجاسة الكفّار

و المتيقّن ممّا قام عليه الإجماع و الاتّفاق و تسالم الأصحاب على نجاستهم هو الكافر من غير المنتحلين بالإسلام- غير أهل الكتاب- كعبدة الأوثان، و منكري توحيده تعالى من حيث الصنع، و المبدئيّة و الفاعليّة، و نجاستهم ثابتة عندنا و إن لم يتمّ الاستدلال عندهم لنجاستهم بأجمعهم بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «1»، و نقل الإجماع على نجاستهم متواترة، و سيجي ء تماميّة دلالة الآية الشريفة على نجاستهم فارتقب.

و كذا لا خلاف في نجاسة الناصب، بل هو أنجس من المشرك على بعض الوجوه ففي موثّق ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا

______________________________

(1) التوبة: 28.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 18

أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه «1».

حكم نجاسة أهل الكتاب

اشارة

و إمّا غير هذه الأصناف الثلاثة من الكفّار غير المنتحلين بالإسلام و النواصب- كأهل الكتاب- فقد وقع الخلاف في نجاستهم و هم المقصودون بالبحث في هذه الرسالة فنقول:

المراد بأهل الكتاب

الكفّار الكتابيّون هم اليهود و النصارى قطعا، و أمّا المجوس فعدّهم من أهل الكتاب لا يخلو من إشكال، لأنّ لهم شبهة الكتاب إلّا أنّهم ملحقون بأهل الكتاب في الجملة.

ففي خبر أبي يحيى الواسطيّ قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن المجوس فقال: كان لهم نبيّ قتلوه و كتاب أحرقوه، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور، و كان يقال له جاماست «2».

و مرسل صدوق قال: المجوس تؤخذ منهم الجزية لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب، و كان لهم نبيّ اسمه داماست فقتلوه، و كتاب يقال له: جاماست كان يقع في اثني عشر ألف جلد ثور فحرّقوه «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل: ح 5.

(2) الوسائل باب 49 من أبواب جهاد العدو: ح 3.

(3) الوسائل باب 49 من أبواب جهاد العدو: ح 5.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 19

و خبر أصبغ بن نباتة: إنّ عليا عليه السّلام قال على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين، كيف يؤخذ الجزية من المجوس و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبيّ؟ فقال: بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث إليهم نبيّا «1».

و ما رواه ابن الشيخ في مجالسه عن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و

سلم قال: سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب. يعني المجوس «2».

و ما رواه المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: المجوس إنّما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الديات لأنّه قد كان لهم فيما مضى كتاب «3» إلى غير ذلك من الأخبار.

و بالجملة المجوس يشتركون مع اليهود و النصارى في بعض الأحكام كأخذ الجزية، و الديات و الإقرار على دينهم إلى غير ذلك. إلّا أنّه لا يستلزم ذلك اشتراكهم معهم في جميع الأحكام فينبغي البحث عن حكمهم من جهة الطهارة و النجاسة على حدة و مستقلا.

فقد يقال: إنّه لا ينبغي الإشكال في نجاسة المجوس لكونهم من المشركين في مرتبة العبادة و الصنع لعبادتهم النار كما يظهر من صنع ما يسمّونه ب «آتشكده» في بلادهم حتّى الآن، و قولهم بالنور و الظلمة، و اليزدان و الأهرمن، جعل الأوّل منهما

______________________________

(1) الوسائل باب 49 أبواب جهاد العدوّ: ح 7.

(2) الوسائل باب 49 من أبواب جهاد العدوّ: ح 9.

(3) الوسائل باب 49 من أبواب جهاد العدوّ: ح 8.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 20

مبدأ للخيرات و الثاني مبدأ للشرور «1».

و قد يقال: إنّ المجوس موحّدون و إنّهم لم يعبدوا النار بل يقدّسونها كما أنّ لكلّ أمّة مقدّسات يكبّرونها و يبجّلونها، و يوجّه قولهم بإله النور و إله الظلمة بأنّه لعلّهم أرادوا ما هو المعروف من أنّ في العالم قوّة الخير و قوّة الشّر، و الحقّ و الباطل في كلّ زمان فينبغي أن يتّبع الإنسان مبدأ الخير للصلاح العموميّ، كما يوّجه قولهم بغلبة إله الخير على الشّر بأنّه لعلّهم يريدون به رقى و تقدّم العالم الإنساني و إبطال الشرور بسعي معلّمي الإنسانيّة- و هم

الأنبياء و الأولياء و المصلحون- و لا ينافي هذا اعتقادهم بآلة حقيقيّ وراء أصل الخير و أصل الشّر هذا. فكيف كان و الذي يسهل الخطب اشتراكهم مع اليهود و النصارى في النجاسة و الطهارة، لأنّه يتراءى من غير واحد من الأخبار أنّهم بحكم أهل الكتاب في ذلك فارتقب حتّى حين.

آراء الفقهاء في طهارة أهل الكتاب

و كيف كان المشهور بين أصحابنا المتقدّمين و المتأخّرين خلافا للعامّة، نجاسة أهل الكتاب، بل ربما يعدّ ذلك من الأمور الواضحة، و مع ذلك خالفهم في ذلك بعض المتقدّمين و جملة من محقّقي المتأخّرين فذهبوا إلى طهارتهم «2».

و ممّن حكي عنه القول بطهارتهم شيخنا المفيد رحمه اللّه في الرسالة الغريّة حيث حكم بكراهة سؤر اليهوديّ و النصرانيّ «3». و الشيخ ابن الجنيد في مختصره فيما حكى عنه فله عبارتان ظاهرتان في طهارة أهل الكتاب أوردهما شيخنا العلّامة الأنصاريّ قدس سره

______________________________

(1) مصباح الهدى ج 1، ص 383.

(2) صرّح بذلك بعض الأساطين في التنقيح، ج 2، ص 45.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة: ج 1/ 142- 143.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 21

في كتاب الطهارة فقال في إحديهما: التجنب من سؤر من يستحلّ المحرّمات من ملّيّ أو ذمّيّ أحبّ إليّ إذا كان الماء قليلا. و في الأخرى: إنّ التجنّب ممّا صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم و في آنيتهم و ممّا صنع في أواني مستحلّي الميتة و مؤاكلتهم ما لم تيقّن طهارة آنيتهم و أيديهم أحوط «1» فترى أنّه عبّر في إحديهما أنّ التجنّب أحبّ و في الأخرى أنّه أحوط.

و الشيخ ابن أبي عقيل العماني، حيث لم ينجّس أسئارهم.

و قال شيخ الطائفة في النهاية: «و يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار إلى طعامه فيأكل معه فإن

دعاه فليأمر بغسل يديه ثمّ يأكل معه إن شاء» «2».

و السيّد الجليل صاحب المدارك في مداركه، فإنّه بعد أن حكى القول بنجاسة أهل الكتاب و طهارتهم عن جملة من الفقهاء و ذكر احتجاج كلّ من القائلين بنجاستهم و طهارتهم مال إلى القول بطهارتهم «3».

و قال المحقّق الأردبيليّ في شرح الإرشاد: لو لم يتحقّق الإجماع فالحكم بنجاسة جميع الكتابيّين لا تخلو من إشكال «4».

و المحدث الجليل الكاشانيّ في الوافي، و المفاتيح «5».

و المحقّق الخراسانيّ في الجزء الأوّل من اللّمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة/ 108. إلّا أنّه صرّح في آخر كلامه بعد تقوية أدلّة الطهارة: أنّ الفتوى على

______________________________

(1) كتاب الطهارة: ص 30.

(2) النهاية طبع بيروت/ 589.

(3) المدارك: ج 2، ص 398.

(4) مجمع الفائدة و البرهان: 1/ 322.

(5) مفاتيح الشرائع: 1/ 322.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 22

خلافهم جسارة و جرئة، و الاحتياط طريق النجاة.

و الشيخ الجليل عليّ بن الحسين بن أبو الجامع العامليّ في «توفيق المسائل في دلائل المسائل» على ما حكي عنه.

و عن العلّامة السيد شرف الدين العامليّ في رسالة تحفة الأصحاب إلى حكم أهل الكتاب.

و سيّد مشايخنا السيد الحكيم قدّس سرّه في آخريّات عمره الشريف «1».

و العلامة الشيخ يوسف البيارجمندي الشّاهرودي في مدارك العروة ج 1 133- 135.

و عن الفقيه العلّامة الشيخ محمّد رضا آل ياسين في بلغة الراغبين.

______________________________

(1) حكى عن رسالة الإسلام عدد 4/ 201 تحت عنوان فتاوى تهمّك هكذا:

س 3: سمعت أن سماحتكم ترون طهارة أهل الكتاب فهل صحيح ذلك؟ و في أيّ حدود؟

ج: نعم الذي أراه طهارة أهل الكتاب طهارة ذاتيّة و إن كانت أبدانهم تتنجّس عرضا بملاقاة النجاسة كالبول و الدم و المنيّ و غيرها من النجاسات

فلو طهّر بدنه في الماء طهر، و جازت مساورته و لا يتنجّس.

قلت: و رأينا نصّ السؤال و الجواب في بعض المنشورات هكذا: أمّا نصّ السؤال فهكذا:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، و به نستعين: سماحة الإمام المجاهد السيد محسن الطباطبائي الحكيم دام ظله:

لقد قرأنا أخيرا فتوى سماحتكم بطهارة الكتابيّين، و طهارة طعامهم، و جواز الأكل منه إلّا الشي ء يذبحونه بأيديهم فهو حرام، لذا يرجى التكرّم، و إجابتنا على السؤال الآتي. إدامكم اللّه ذخرا و أبقاكم ظلّا، عن جماعة من المسلمين. كاظم جبّارة عدوة.

و أمّا نصّ الجواب فهكذا:

بسم اللّه الرحمن الرحيم. و له الحمد: الكتابيّ طاهر إذا كان طاهرا من النجاسات التي يساورها- كالبول و المنيّ، و الدم و الخمر و غيرها- فإذا كان طاهرا من هذه النجاسات كان سؤره طاهرا، و يجوز أكل طعامه و شرابه.

فسئل عن سماحته:

إذا كان طعام الكتابيّ طاهرا حتّى الذي يطبخه بيده جائزا أكله فلما ذا اللّحم الذي يذبحه بيده نجس؟

فأجاب سماحته:

«يشترط في التذكية أن يكون الذابح مسلما، فإذا كان الذابح كافرا كانت التذكية باطلة و كان الحيوان ميتة غير مذكّى. و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته. محسن الطباطبائي الحكيم. 17 صفر، 1388.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 23

و عن العلّامة السيد محسن الأمين العامليّ في الدرّ الثمين، و حاشية التبصرة.

و عن العلّامة السيد عبد الحسين نور الدين صاحب الكلمات الثلاث.

و عن العلّامة السيّد صدر الدين الصدر.

و عن العلامة الشيخ أبي عبد اللّه في رسالة أهل الكتاب.

و عن العلّامة السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم، و ذهب العلّامة السيّد عبد الأعلى السبزواريّ إلى طهارتهم.

و عن العلّامة الشيخ محمّد صالح الجزائريّ في رسالته الخطّيّة و العلّامة السيّد محسن آل طاهر

الموسويّ في البيان في الحجّة و البرهان و العلّامة الشيخ عبّاس الصفائيّ الحائريّ في شرحه الخطّيّ على العروة الوثقى.

قد يقال: إنّ جماعة من الفقهاء قائلون بطهارتهم لكنّهم أسرّوا بذلك إلى من يثقون به.

قال الشيخ محمّد جواد مغنية: «و قد عاصرت ثلاثة مراجع كبار من أهل الفتيا و التقليد: الأول كان في النجف الأشرف و هو الشيخ محمّد رضا آل يس، و الثاني في قم، و هو السيد صدر الدين الصدر، و الثالث في لبنان و هو السيد محمّد محسن الأمين، و قد أفتوا جميعا بالطهارة، و أسرّوا بذلك إلى من يثقون به، و لم يعلنوا خوفا من المهوشين، على أن آل يس كان أجرء الجميع، و أنا على يقين بأنّ كثيرا من فقهاء اليوم و الأمس يقولون بالطهارة، و لكنّهم يخشون أهل الجهل و اللّه أحقّ أن يخشوه.

انتهى كلامه في كتاب فقه الإمام الصادق ج 1، 34.

و قد حكى الشيخ الجليل الشيخ حسن بن الشهيد الثاني قدّس سرّهما في فقه المعالم عن والده الشهيد الثاني

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 24

«إنّ روايات الطهارة أوضح دلالة». ثمّ قال نفسه: إنّ روايات الطهارة واضح الدلالة و الأصل معها عضد قويّ. إلى أن قال: فالمسألة قويّة الإشكال.

و المحقق السبزواريّ قدّس سرّه و إن مال إلى الطهارة.

و المحقق الأردبيليّ قدّس سرّه بعد أن ذكر أخبار الباب و الإجماع على النجاسة قال:

و بالجملة، لو لم يتحقّق الإجماع، فالحكم بنجاسة جميع الكتابيّين و المرتدّين، و الخوارج، و الغلاة، و النواصب لا يخلو من إشكال «1».

قلت: فكان الإجماع غير ثابت عنده فالمسألة محلّ إشكال عنده.

قال في الكفاية: «و لا خلاف بين الأصحاب في نجاسة غير أهل الكتاب من أصناف

الكفّار و في نجاسة أهل الكتاب خلاف و المشهور بين الأصحاب نجاستهم و ذهب المفيد في أحد قوليه، و ابن الجنيد إلى الطهارة، و أدلّة النجاسة محلّ بحث، و الأخبار المعتبرة دالّة على الطهارة إلّا أنّه قال أخيرا: لكن لا ينبغي الجرية على مخالفة المشهور المدعى عليه الإجماع «2».

قال سيّد مشايخنا الحكيم قدّس سرّه: يظهر من مجمع البيان المفروغيّة عن حلّ طعام الكتابيّ إذا لم يكن محتاجا إلى التذكية و ان الخلاف في طهارة ما هو محتاج إلى التذكية من اللّحوم و الشحوم «3».

و بعض الأساطين قدّس سرّه و إن قوّى أدلّة الطهارة و قال: إن طهارة أهل الكتاب كانت ارتكازيّة عند الرواة إلى آخر عصر الأئمّة عليهم السّلام، و إنّما كانوا يسألونهم عمّا يعمله أهل الكتاب، أو يساوره من أجل كونهم مظنّة النجاسة العرضيّة. و من هنا يشكل

______________________________

(1) مجمع الفائدة: ج 1/ 321.

(2) لاحظ نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 60.

(3) راجع مستمسك العروة الوثقى: ج 1/ 377.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 25

الإفتاء على طبق أخبار النجاسة إلّا أنّ الحكم على طبق روايات الطهارة أشكل لأنّ معظم الأصحاب من المتقدّمين و المتأخّرين على نجاسة أهل الكتاب، فالاحتياط اللّزوميّ ممّا لا مناص عنه في المقام. انتهى «1».

قلت: و ليت شعري- كما صرّح بعض الأساطين و قد سبقه في ذلك صاحب مجمع البيان قدّس سرّه: أنّه إذا كانت طهارة أهل الكتاب ارتكازيّة عند أجلّاء الرواة، و كان سؤالهم بلحاظ ما يعمله أهل الكتاب إلى آخر «2» ما أفاده- كما سيظهر لك قريبا إن شاء اللّه- و قرّرهم الأئمّة المعصومون عليهم السّلام على مزعمتهم، فيكون اشتهار القول بنجاستهم أمر حادث في عصر الغيبة الكبرى،

فلم يكن اشتهار القول بالنجاسة متّصلا بزمن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام فكيف يعتني بالقول بالنجاسة بمجرد اشتهار القول بالنجاسة عند المتقدّمين و المتأخّرين. و رفع اليد عن الأخبار الظاهرة بل الصريحة على طهارتهم مع أنّ المعروف من مبناه قدّس سرّه أنّ عمل المشهور غير جابر لضعف الخبر كما أنّ إعراضهم عن الخبر الصحيح غير قادح له فتدبّر.

و من لطيف المقال في هذا المجال ما قاله الشيخ محمّد جواد مغنية فقال: «ما زلت أذكر أنّ الأستاذ (الظاهر أنّه عنى به بعض الأساطين قدّس سرّه) قال في الدرس ما نصّه بالحرف: إنّ أهل الكتاب طاهرون علميا- أي نظريا- نجسون عمليا)»، و إنّي أجبته بالحرف أيضا.

هذا اعتراف صريح بأنّ الحكم بالنجاسة عمل بلا علم فضحك الأستاذ، و رفاق الصفّ و انتهى كلّ شي ء انتهى «3».

______________________________

(1) التنقيح: ج 3/ 56.

(2) مستمسك العروة الوثقى: ج 1/ 377.

(3) فقه الإمام الصادق عليه السّلام: ج 1/ 33.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 26

و يظهر من غير واحد من الأعلام و الأفاضل المعاصرين القول بطهارة أهل الكتاب و لا يهمّنا التصريح بأسمائهم فلاحظ رسائلهم العمليّة.

هذا موقف الأقوال في المسألة.

إذا أحطت خبرا بما ذكرنا يظهر لك أنّ دعوى الإجماع على نجاسة أهل الكتاب غير ظاهر، فضلا عن كونها أمرا بديهيّا ضروريّا عند فقهاء أهل البيت عليهم السّلام.

و ذلك لأنّه بعد ذهاب ثلّة من الأصحاب من القدماء و جملة من المتأخرين إلى طهارتهم، كيف يدّعى الإجماع على نجاستهم؟! نعم، اشتهار القول بنجاستهم ثابتة بلا إشكال.

و لو سلّم تحقّق الإجماع فلا يكاد ينفع، لما نشير إليه قريبا أنّ الإجماع المذكور لو لم يكن مقطوع المدرك يكون مظنون المدرك و قد قرّر في محله

عدم حجيّة الإجماع الكذائيّ.

و من القريب جدّا استناد الأصحاب في الإفتاء بنجاسة أهل الكتاب إلى قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «1». و الأخبار الواردة في الباب، و سنتعرّض ما يتعلّق بدلالتها على نجاستهم و دفعها فارتقب.

و لك أن تتفطّن ممّا ذكرنا أن وزان الحكم بطهارة أهل الكتاب مع اشتهار الفتوى بنجاستهم وزان الحكم بعدم انفعال ماء البئر، و استحباب نزح المقدرات المقررة، مع اشتهار القول بانفعال ماء البئر، و وجوب نزح المقدرات بين القدماء عند وقوع شي ء من النجاسات فيه، بل ربما ادّعي قطعهم بذلك، و مع ذلك ترى بعد مضيّ قرون فتويهم بعدم انفعال ماء البئر بملاقات النجس و استحباب نزح المقدرات إلى أنّ

______________________________

(1) التوبة: 28.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 27

اشتهر تلك الفتوى منهم حتّى اتّفقت كلمة المتأخّرين على ذلك تقريبا، و لم يخالفهم في ذلك إلّا القليل منهم ممّن لا يتجاوز عددهم رءوس الأصابع.

و توهم أنّ إجماعهم على انفعال ماء البئر اجتهاديّ محض و إنّهم فهموا و استظهروا من أخبار الباب نجاستهم، و في قبالهم من لم يفهموا ذلك، بل استفادوا و استظهروا منها عدم الانفعال، بخلاف إجماعهم على نجاسة أهل الكتاب، فإنّ له عرقا قرآنيّا، و مأخذه أخبار واردة في الباب فقط بحيث لم يخالفهم في ذلك فقيه، و من خالفهم في ذلك و أفتى بطهارتهم- كالمحقق السبزواري- تركوه العلماء وحيدا و رفضوا كلامه «1».

مدفوع بأنّه لا فرق بين المسألتين فيما هو المهم، فكما أنّ إجماعهم على انفعال ماء البئر بملاقاة النجس لم يكن تعبديّا بل مستند إلى ظاهر الأخبار الآمرة بالنزح و غيره، فكذلك إجماعهم على نجاسة أهل الكتاب لم يكن تعبديّا بل مستند إلى ظاهر الكتاب

و السنّة.

فلم يكن الإجماع في المسألتين دليلا تعبديّا، فلا بدّ من ملاحظة مدرك المجمعين.

و أمّا الفرق بين البابين بأنّ القول بعدم انفعال ماء البئر لم يكن في الصدر الأوّل بحيث يكون شاذّا، بخلاف القول بطهارة أهل الكتاب فإنّه من الشذوذ بمكان فإذا رأى أحد و أفتى بطهارتهم يكون مطرودا مفروض القول، و معرضا عنه.

ففيه أنّه كما يكون القول بعدم انفعال ماء البئر موجودا بين القدماء- من غير اشتهار بينهم- فكذلك يكون القول بطهار أهل الكتاب موجودا بين القدماء

______________________________

(1) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 63.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 28

و المتأخّرين غير مشهور لديهم، و قد أشرنا إلى أسماء القائلين بطهارتهم من القدماء و المتأخّرين.

كلمة من المحقق الهمداني قدّس سرّه

و لقد أجاد الفقيه الهمدانيّ قدّس سرّه في مسألة ظهور الفتوى بعدم انفعال ماء البئر ما حاصله.

فإنّه ذكر أوّلا اشتهار القول بانفعال ماء البئر بل إجماعهم عليه، بل عدّوا ذلك من دين الإماميّة، و عدّوا الأخبار الدالة على الطهارة و عدم انفعال ماء البئر معرضا عنها، فحيث إنّ إجماعهم لم يكن بحيث يكشف عن قول المعصوم عليه السّلام، أو دليل معتبر غير الأخبار الموجودة بين أيدينا، فكان إجماعهم مدركيّا مستنده الأخبار التي فهموا منها انفعال ماء البئر و اجتهدوا فيها، فحيث إنّ اجتهادهم لم يكن حجّة على من تأخّر عنهم، فاجتهد المتأخّرون فيها، و لم يفهموا منها ما فهمه المتقدّمون، بل استظهروا منها عدم انفعال الماء و طهارته عند ملاقاة النجاسة، فأعرضوا عن طريقة القدماء، و هدموا ما أسّسوه مع شدّة اهتمامهم في تصحيح مطالب السابقين و القدماء، و لكن مع ذلك لم يتجرّؤوا مخالفتهم إلى أنّ تجرّأ بعض و فتح باب المخالفة إلى أنّ اشتهر القول

بالطهارة في هذه الأعصار فقال قدّس سرّه:

لو لا اشتهار القول بالطهارة في هذه الأعصار لكان الالتزام بها مع قوّتها من حيث المدرك في غاية الجرءة فشكر اللّه سعي السابقين حيث إنّهم هوّنوا الخطب علينا جزاهم اللّه عنّا خيرا، و لعلّ هذا هو السرّ في بقاء القول بالنجاسة على شهرتها في الأعصار السابقة في الأزمنة المتطاولة، لا لأجل تقليد آحاد العلماء أسلافهم حتّى

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 29

يكون ذلك قدحا فيهم حاشا هم عن ذلك بل لأجل عدم إعجاب كلّ منهم برأيه فيرى تطابق آراء الفحول و اتّحاد كلمتهم على ترجيح القول بالنجاسة دليلا قطعيّا على صحّته فيظنّ ما يسنح بخاطره من ترجيح أخبار الطهارة شبهة في مقابلة الضرورة إلى أن قال: و يؤيّد ذلك أنّه بعد أن شاع القول بالطهارة لم ينكروا على قائله بل أيّدوه إلى أن اتّفقت الكلمة و اجتمعت الفرقة على خلاف ما كانوا عليه من قبل. انتهى. «1»

قلت: فإذا صحّ الأمر في مسألة انفعال ماء البئر بما أفاده قدّس سرّه- كما هو كذلك- فيمكن أن يقال بمثل ذلك في مسألة طهارة أهل الكتاب. و ذلك لأنّ إجماعهم على نجاستهم حيث إنّه اجتهاديّ ناشى ء عن فهم دلالة الكتاب و السنّة على ذلك، و بحذاهم قوم لم يفهموا ذلك و لم تتمّ عندهم دلالة الآية الشريفة على نجاستهم و تحقق عندهم إخبار واضحة الدلالات على طهارتهم الذاتيّة، و أمكنهم التوفيق بين الطائفتين من الأخبار الدالّات على نجاستهم و طهارتهم، بحمل ما دلّ على الطهارة، على طهارتهم الذاتيّة، و حمل ما دلّ على النجاسة على مساورتهم و مباشرتهم النجاسات من شرب الخمر، و أكل لحم الخنزير و غيرهما، و قد

أفتى بعض القدماء و جملة من المتأخّرين بذلك.

نعم لم يصر القول بطهارتهم بعد معروفا و مشهورا في الأعصار المتأخرة، و لعله لعدم الجرية الشديدة على مخالفتهم.

لكن الأعلام المتأخّرة و المقاربة عصرنا، و منهم سيّد مشايخنا العلّامة الحكيم قدّس سرّه و من تشرّفنا بذكر أسمائهم تجرّؤوا فأفتوا بطهارتهم، و لذا ترى ذهاب جملة من

______________________________

(1) كتاب الطهارة من مصباح الفقيه: 35- 36.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 30

الفضلاء، و الأعلام المعاصرين إلى طهارتهم، و لعلّه من القريب العاجل ترى القول بطهارتهم فتوى رائجا معروفا بينهم و اللّه الهادي إلى الصراط المستقيم.

دفع تمحّلات المتأخّرين في فتوى القدماء بطهارة أهل الكتاب

و حيث إنّ القائلين بنجاسة أهل الكتاب تعجّبوا من ذهاب بعض القدماء إلى طهارتهم، وقعوا في حيص و بيص فتمحّلوا في توجيه مقالهم، و حملوها على غير وجهها و غير ظاهرها، و قد أشار إليها و إلى دفعها المحقّق الخراسانيّ قدّس سرّه في اللّمعات النيّرة «1».

فقد اعتذر عن حكم ابن أبي عقيل بعدم الاجتناب عن أسئار اليهود، و النصارى بأنّه: بلحاظ ما ذهب إليه من عدم انفعال الماء القليل فلا تكون حكمه هذا دليلا على فتواه بطهارة أهل الكتاب.

و لكن فيه أوّلا: أنّ هذا ليس مبنيّا على ذلك لعدم الاختصاص باليهود أو النصارى من بين الكفّار، مع أنّ ظاهر كلامه اختصاص عدم الاجتناب بسؤرهما.

و ثانيا: عدم اختصاص السؤر بالماء المطلق بل يعمّ مطلق المائع، بل مطلق الطعام الرطب، فيعمّ مطلق ما باشرته أيديهم و إن كان غير الماء فتدبّر.

و قد اعتذر عن الشيخ المفيد قدّس سرّه في حكمه بكراهة سؤر اليهوديّ و النصرانيّ بإرادة الحرمة من الكراهة.

و فيه: أنّه لا يخفى أنّ ظهور لفظة الكراهة في كلمات الأصحاب في غير الحرمة و إن

______________________________

(1) اللّمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة: 105- 106.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 31

استعملت في الحرمة أحيانا.

كما أنّه اعتذر عن شيخ الطائفة قدّس سرّه في عبارته المتقدّمة: من أنّه يأمره بغسل يد الكافر ثمّ يأكل معه.

أولا: بحمل كلامه- كما عن المحقّق في نكت النهاية- على صورة الضرورة، و مجرّد مؤاكلة اليابس، لا مع المساورة.

و فيه: أنّه لا شاهد له في كلامه، مع أنّه صرّح قبل أسطر بترخيص استعمال الحبوب و ما أشبهها، و إن باشروه بأيديهم كما لا يخفى.

و ثانيا: أو أنّه- كما عن الحليّ- ذكر الشيخ ذلك إيرادا لا اعتقادا.

و فيه: أنّه خلاف الظاهر من كلامه كما لا يخفى.

و ثالثا: أو أنّ ذلك منه بلحاظ أنّه كان من عادة الشيخ في النهاية المحافظة على متون الروايات، فليست النهاية كتاب فتوى.

و فيه: أنّه و إن كانت عادة الشيخ في النهاية المحافظة على متون الروايات إلّا أنّه من الواضح المحافظة على الروايات التي كانت تفتي على طبقها لا المحافظة على ما يخالف فتواه مع وجود ما يوافقها.

و لك أن تتفطّن ممّا ذكرنا من حكم الشيخ بجواز مؤاكلتهم مع غسل أيديهم، أنّه يمكن التوفيق بين هذه العبارة من الشيخ و ما أفاده قبل العبارة بأسطر من أنّه لا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم و لا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء و كلّ طعام تولّاه بعض الكفّار بأيديهم، و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله، لأنّهم أنجاس

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 32

ينجس الطعام بمباشرتهم أيضا «1». بحملها على نجاستهم العرضيّة، و حمل جواز المؤاكلة مع غسل أيديهم على طهارتهم الذاتيّة، فلا منافاة بين العبارتين، و إن كان لا يخلو عن

بعد كما أشار إليه المحقّق الخراسانيّ قدّس سرّه فتأمّل.

ذكر و تعقيب

ربما يوجه و يجمع بين عبارتي الشيخ قدّس سرّه بردّ عبارته اللّاحقة على ما لا يخالف عبارته السالفة الصريحة في نجاستهم بتنزيل الطعام مثلا على ما ليس برطب و ما لا سراية فيه كطبخ الأرزّ يأكل من جانب و غسل اليد لإزالة ما عسى يعلّق بأيديهم من إقذارهم.

فيقال: إنّ هذا الحمل بمكان من السهولة، و حمل الظاهر على النص أمر رايج عند الفقهاء فقال: إنّ إرادة الحرمة من الكراهة في كلمات القدماء غير عزيز، ثمّ قال:

لو سلم إرادة الكراهة المصطلحة من لفظ الكراهة إلّا أنّ المراد من المؤاكلة هنا المؤاكلة في اليابس ثمّ قال:

إنّ الأمر بغسل يد الكافر ثمّ الأكل معه لا يستلزم كونه طاهرا بالذات، لأنّ المقصود من غسلها نظافتها و رفع القذارة عنها، كي لا يتنفّر الجلساء فيأكل هذا من إناء، و ذاك من آخر، و المؤاكلة مع أحد لا يستلزم وحدة الإناء أيضا «2».

و فيه: أنّ كلام الشيخ الأخير واضحة الدلالة على حصول الطهارة بغسل يد الكافر لظهوره في تنجّس ما يؤكل بملاقات يده قبل الغسل لا مجرد النظافة و رفع

______________________________

(1) النهاية: 589 طبع بيروت.

(2) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 57.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 33

القذارة عنه، و ليست عبارته السابقة صريحة في نجاستهم الذاتيّة، فيمكن حملها على نجاستهم العرضيّة كما أشرنا، فلا تنافي بين العبارتين ليحمل الظاهر على النصّ.

و قد أشرنا أنّ استعمال لفظة الكراهة في الحرمة و إن كان بمكان من الإمكان، و قد أطلقت عليها أحيانا إلّا أنّه خلاف الظاهر من كلمات الأصحاب، و حمله على كراهة المؤاكلة في اليابس غير ظاهر، مع تصريحه في العبارة

السابقة، فإنّه قد رخّص فيها جواز استعمال الحبوب و ما أشبهها ممّا لا تتنجّس، و إن باشروها بأيديهم.

بقي الكلام في فتوى ابن الجنيد، فرموه بشذوذ القول، و الميل إلى القياس و الاستحسان، و الإفتاء غالبا طبق مذاهب العامّة، فلم يعتنوا بفتاويه فلم يكن إفتاؤه بطهارة أهل الكتاب مضرا بالإجماع.

و لكن عرفت عدم ثبوت الإجماع في المسألة. و غاية ما هناك اشتهار القول بالنجاسة عند الأصحاب، فلم يكن ابن الجنيد متفرّدا في الحكم بطهارتهم و لم يثبت أنّه يرى القول بالقياس و سلوكه مسلك العامّة و الاجتهاد الباطل كيف يكون ذلك مع تسالم الفرقة المحقّة على حرمة العمل بالقياس و أنّ الرشد في خلاف العامّة، فلعلّ بعض فتاواه غير المعروفة بين الأصحاب بلحاظ بعده عن الحوزات و المعاهد العلميّة، و عدم وجود بعض الأصول المعتمدة عنده، و عدم اطّلاعه الوسيع على فتاوى الأصحاب.

و قد كان يشير إلى ما ذكرنا سماحة أستاذنا الأعظم البروجرديّ قدّس سرّه في أبحاثه الفقهيّة عند ذكر بعض فتاواه المخالفة لما عليه الأصحاب فتدبّر.

و يؤيّد الحكم بطهارة أهل الكتاب بل يدلّ عليه ذهاب جملة من الفقهاء إلى جواز الاستمتاع من الكتابيّة بالنكاح الانقطاعيّ، و ملك اليمين، و جواز اتّخاذها ظئرا،

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 34

و جواز تغسيل الكتابيّ أو الكتابيّة للميّت المسلم، أو المسلمة عند فقد المماثل و المحرم، و جواز اشتراط ضيافة مارّة العساكر، بل المسلمين على أهل الذمّة إلى غير ذلك من الأمور التي ستمرّ بك فإنّها تدلّ بوضوح- كما سيظهر لك جليّا- على طهارة أهل الذمة، و أهل الكتاب فارتقب حتّى حين.

فتحصّل ممّا ذكرنا وجود أقوال معتدّ بها بطهارة أهل الكتاب من بين الفقهاء السابقين، و المتأخّرين

و إن كان القائلون بنجاستهم كثيرين.

بل قد يقال: إنّ فتوى الشيخ قدّس سرّه في النهاية من متون الأخبار المشهورة التي كانت عليها عمل الأصحاب.

فلا يصغي إلى أنّ القول بطهارة أهل الكتاب شاذّ لا يعتدّ به، بل يكون لكلّ من القول بطهارتهم و نجاستهم حماة و دعاة من القدماء و المتأخّرين، بل يمكن أنّ يقال:

إنّ القول بطهارتهم مشهورة، و القول بنجاستهم أشهر فتأمّل.

و كيف كان فلا بدّ من ملاحظة أدلّة الطرفين، و اختيار ما هو الحقّ منهما فنقول:

أدلّة القائلين بنجاسة أهل الكتاب

اشارة

يستدلّ لنجاسة أهل الكتاب مضافا إلى الإجماع الذي عرفت حاله، بالكتاب و السنّة و الأمر الاعتباريّ.

أمّا الكتاب

اشارة

فقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا «1».

______________________________

(1) التوبة: 28.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 35

تقريب الاستدلال بالآية الشريفة لنجاسة الكتابيّ إنّما يتمّ بعد تماميّة أمرين:

الأول: دلالتها على نجاسة المشركين.

و الثاني: كون أهل الكتاب مشركين.

أمّا الأمر الأوّل: فقد حكم اللّه سبحانه بنجاسة المشركين و فرّع عليها حرمة قربهم من المسجد الحرام، و ذلك لأنّ النجس (بفتح الجيم، و كسره) بمعنى النجاسة المصطلح عليها عند المتشرّعة، لأنّها المرتكز في أذهانهم.

و المشركون في الآية الشريفة هل هم خصوص المشركين في العبادة بلحاظ أنّ المشركين الذين أبتلي بهم الأنبياء، لا سيّما رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم هم المشركون في مقام العبادة، أو ما يعمّ المشركين في مقام الصنع، و المبدئيّة، و الفاعليّة، وجهان.

و القدر المتيقّن من مورد الآية الشريفة هو خصوص المشركين في مقام العبادة لا الأعمّ، بل خصوص عبدة الأصنام منهم، بل خصوص عبدة الأصنام من أهل مكّة كما يشهد به القرائن، إلّا أن يدّعى القطع بعدم اختصاص الحكم بهم، بل يعمّ كلّ مشرك في العبادة و لو كانوا من غير أهل مكّة، أو كانوا من عبدة الشمس و القمر، و الحيوانات و النباتات و غيرها بتنقيح المناط و إلغاء الخصوصيّة.

و بالجملة، المشركون في العبادة، و عبدة الأصنام و الآلهة و الشمس و القمر و غيرها يعتقدون أنّ الموت و الحياة و الرزق و السلامة و المرض و غيرها من الأمور الراجعة إلى العباد، بيد هؤلاء، و يعبدونها ليقرّبوهم إليه تعالى زلفى.

فإذا استفيد نجاسة المشرك في

العبادة من الآية الشريفة فيستفاد نجاسة المشرك في مقام الصنع و المبدئية و منكر أصل الألوهيّة بتنقيح المناط القطعي بلحاظ أنّ الشرك في العبادة إذا كان منشأ للنجاسة، فالشرك في الصنع، أو الفاعليّة لمكان أشدّيّته فيه

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 36

أولى. و أولى منه إنكار أصل وجوده تعالى.

و إن أبيت عمّا ذكرنا و رأيت أنّ المشركين في الآية الشريفة جارية مجرى القضية الحقيقّية فتدلّ الآية الشريفة على نجاسة جميع أقسام المشركين بالدلالة اللّفظية، فتكون استفادة نجاسة منكر وجوده تعالى بالأولويّة القطعيّة.

المناقشة في الاستدلال بالآية لنجاسة المشركين و دفعها

ربما يناقش في الاستدلال بالآية الشريفة لنجاسة المشرك بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ النجس عند المتشرّعة و إن كان بالمعنى المصطلح عليه في الأعصار المتأخّرة، إلّا أنّه لم يثبت كونه بهذا المعنى زمان نزول الآية الشريفة، و ذلك للتدرّج في بيان الأحكام، و من المحتمل، بل الظاهر أنّه في الآية المباركة بالمعنى اللغويّ، و هو القذارة، و أيّ قذارة أعظم و أشدّ من قذارة الشرك، و هذا المعنى هو المناسب للمنع عن قربهم من المسجد الحرام، لا المعنى المصطلح عليه، لأنّه لا مانع من إدخال النجس بالمعنى المصطلح عليه في المسجد الحرام إذا لم يستلزم هتكه.

و قد أصرّ على إرادة هذا المعنى الفقيه الهمدانيّ قدّس سرّه. لاحظ طهارة مصباح الفقيه/ 557- 558.

و وافقه في ذلك بعض الأساطين قدّس سرّه فقال فيما قال: «إنّه لم يثبت إرادة المعنى المصطلح عليه عند المتشرّعة على شي ء من الأعيان النجسة في زمان نزول الآية أصلا للتدرج في بيان الأحكام، بل الظاهر أنّه في الآية المباركة بالمعنى اللّغويّ، و هو القذارة، و أيّ قذارة أعظم و أشدّ من قذارة الكفر، و هذا المعنى هو المناسب للمنع عن

قربهم من المسجد الحرام حيث إنّ النجس بالمعنى المصطلح عليه لا مانع من دخوله

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 37

المسجد الحرام فيما إذا لم يستلزم هتكه. و لا حرمة في دخول المشركين المسجد من جهة نجاستهم بهذا المعنى و هذا بخلاف النجس بمعنى القذر لأنّ القذارة الكفريّة مبغوضة عند اللّه سبحانه، و الكافر عدوّ اللّه، و هو يعبد غيره فكيف يرضى صاحب البيت بدخول عدوّه بيته؟ بل و كيف يناسب دخول الكافر بيتا يعبد فيه صاحبه و هو يعبد غيره» «1».

و لك أنّ تقول كما في جامع المدارك:

«إنّه لم يحرز المراد من النجس في الآية الشريفة فإنّ معناه العرفيّ و إن كان هو القذر، و لكنّه ليس كلّ قذر يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن النجاسات عند المتشرّعة، فإنّ القذارة المعنويّة الحاصلة بالحيض و نحوه قذارة و ليست موجبة للاجتناب، فلعلّ الشرك قذارة معنويّة أشدّ من سائر القذارات من دون أن يترتّب عليها آثار النجس بالمعنى المعروف عند المتشرّعة على المتّصف به» «2».

و لكن ردّ بأنّ الظاهر من لفظة النجس، و المتبادر عنه و لو في الصدر الأوّل، هو النجاسة المقابلة للطهارة، و بضميمة أصالة عدم النقل من معنى آخر إليه يتمّ المطلوب.

و مجرّد احتمال ارادة المعنى اللّغويّ- و هو القذارة المعنويّة- خلاف الظاهر لا يصار إليه، لأنّه ليس شأن الشارع بيان المعنى اللّغويّ، أو خلاف وظيفته، و لا يناسبه ما فرّع عليه من حرمة قربهم من المسجد كما لا يخفى.

و التوجيه المذكور في المناقشة أمر استحسانيّ لا يصار إليه، و الآية الشريفة نزلت

______________________________

(1) التنقيح: ج 2/ 43 و 44.

(2) جامع المدارك: ج 1/ 201.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب،

ص: 38

سنة تسع من الهجرة، و قد بيّن عند ذلك كثير من الأحكام الشرعيّة و منها النجاسة بمعناها المصطلح عليه هذا.

و قد صرّح بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه: بأنّ المتتبّع في الأخبار و موارد استعمالات لفظة النجس يجد استعمالها في المعنى المصطلح عليه «1».

و قد صرّح سيّد مشايخنا دام ظلّه على ما في تقرير بحثه:

بأنّه ادّعى كثير من الأعلام: إنّ استعمال لفظة النجاسة في المعنى المصطلح عليه كان منذ زمن النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلم بنحو الحقيقة الشرعيّة كما أن الطهارة كذلك، فمتى ورد حكم من الأحكام المرتبطة بها استفيد منها هذا المعنى أعني الطهارة الشرعيّة. «2».

و إن شئت قلت: كما أفاده أستاذنا العلّامة الخميني قدّس سرّه.

«إنّه ليس للشارع اصطلاح خاصّ في النجاسة و القذارة مقابل العرف، بل وضع أحكاما لبعض القذارات العرفية، و أخرج بعضها عنها، و الحق أمورا بها، فالبول و الغائط و نحوهما قذر عرفا و شرعا، و وضع لها أحكاما، و أخرج مثل النخامة و القيح و نحوهما من القذارات العرفيّة عنها حكما بلسان نفي الموضوع في بعضها، و الحق مثل الكافر و الخمر و الكلب بها بجعلها نجسا، أي اعتبر القذارة لها، ففي الحقيقة أخرج مصاديق من المفاهيم تعبّدا، و أدخل مصاديق فيه كذلك من غير تصرف في المفهوم، فإن أريد من الاصطلاح الشرعيّ ذلك فلا كلام، و إن أريد أنّ مفهوم القذارة عند الشرع و العرف مختلفان فهو ممنوع» «3».

______________________________

(1) دليل العروة: ج 1/ 435.

(2) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 24.

(3) كتاب الطهارة: ج 3/ 296.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 39

و مجرد إدخال النجس في المسجد و

إن لم يكن حراما إذا لم يستلزم الهتك أو السراية، فلعلّ النهي عن قرب المشركين للمسجد الحرام بلحاظ الهتك و أنّ دخولهم في المسجد هتك للمسجد، أو للتجنّب عن سراية نجاستهم إلى المسجد، لما يستلزم ذلك إذا تردّدوا إلى المسجد كما لا يخفى.

الوجه الثاني: إنّ النّجس- بفتح الجيم- مصدر و لا يحمل على الذات، و لا يصحّ اتّصاف الذات به إلّا بتقدير- ذو- تصحيحا للحمل، و يكفي في الإضافة أدنى ملابسة و لو من حيث النجاسة العرضيّة، فيكون المعنى: إنّ المشركين ذووا نجس بلحاظ شربهم الخمر، و أكلهم الخنزير، و ابتلائهم بسائر النجاسات، و عدم معرفتهم كيفيّة التطهير إلى غير ذلك فلا يستفاد من الآية الشريفة نجاستهم الذاتيّة.

و بالجملة غاية ما يستفاد من الآية الشريفة هي نجاستهم العرضيّة لا النجاسة الذاتيّة التي هي المطلوب.

و ردّ أولا: بأنّ عدم صحّة حمل المصدر على الذات حقيقة لا يقتضي حذف المضاف حتما لأنّه يمكن حمله عليها مبالغة- كزيد عدل- مبالغة في العدالة، و هو و إن كان مجازا إلّا أنّه أمر شائع بينهم أقرب من التقدير فيستفاد نجاستهم الذاتيّة، و لا يشترط مطابقة المصدر للمحمول عليه من حيث التذكير و التأنيث، و الجمع و الإفراد، فيصحّ حمل النجس على المشركين- و إن كان جمعا- و توهّم: إنّ النجس صفة مشبهة، كحسن كما عن القاموس، و هي ضد الطاهر، و يصحّ حمله على الذات حقيقة من دون شائبة المجازيّة فيتمّ الاستدلال بها على المطلوب.

مدفوع بأنّه: لو ثبت كونها صفة مشبّهة في غير مورد الآية الشريفة، إلّا أنّه لا

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 40

يلائم حملها على ذلك في الآية الشريفة، لكونها وردت مفردة، و المحمول عليه-

و هم المشركون- جمع و لا بدّ من المطابقة بينهما كما لا يخفى.

إلّا أن يراد من النجس الجنس، كما عن شيخنا الأعظم الأنصاريّ قدّس سرّه في طهارته، و الجنس يساعد معنى الجمع، فهو و إن كان مفردا بحسب اللّفظ لكنّه جمع بحسب المعنى فتأمّل.

و بالجملة يستفاد من حمل النجس على المشركين نجاستهم الذاتيّة، سواء أريد من النجس المصدر، أو الجنس، فيكون قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، وزان قولك الكلب نجس، و الخنزير نجس، فكما يستفاد منهما نجاستهما الذاتيّتين بوضوح، و بأصرح بيان، فكذلك يستفاد نجاسة المشركين، و أنّهم محكومون بالنجاسة بلحاظ ذواتهم، لا بلحاظ عروض النجاسات عليهم.

و ثانيا: إن أبيت عمّا ذكرنا و رأيت أنّ حمل النجس على الذات لا بدّ من التقدير، و أنّ المراد بالآية الشريفة إنّما المشركون ذووا نجاسة، فمع ذلك يمكن الاستدلال بها لنجاستهم الذاتيّة، إذا النجاسة العرضيّة إنّما تكون بملاقاة الأعيان النجسة مع عدم استعمال المطهّر، فإطلاق كونهم ذوي نجاسة حتّى مع عدم ملاقاة الأعيان النجسة يدل على نجاستهم الذاتيّة كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل، فقد ظهر لك تماميّة دلالة الآية الشريفة على نجاسة المشركين، و أنّ ذواتهم محكومة بالنجاسة المصطلحة.

و أمّا الأمر الثاني: و هو أنّه على تقدير دلالة الآية الشريفة على نجاسة المشركين، هل يستفاد منها نجاسة أهل الكتاب أم لا؟

فنقول: يستدلّ بالآية الشريفة على نجاسة أهل الكتاب بأنّ المستفاد منها نجاسة

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 41

الشرك بما هو شرك، و بما أنّ أهل الكتاب قسم من المشركين، فيدخلون في موضوع الشرك المحكوم بالنجاسة.

و أمّا كون أهل الكتاب قسما من المشركين فلقوله تعالى حكاية عن اليهود و النصارى قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ

ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ يُضٰاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ «1».

فجعل اليهود و النصارى من المشركين تنزيلا فيدخلوا في موضوع المشرك المحكوم بالنجاسة في الآية المتقدّمة فيحكم بنجاستهم.

أضف إلى ذلك قوله تعالى لعيسى على نبيّنا و آله و عليه السّلام أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ «2».

كما يشهد لذلك أنّه لمّا نزل قوله تعالى إِنَّكُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهٰا وٰارِدُونَ «3». قال ابن الزبعريّ على ما عن مناقب ابن شهرآشوب:

أما و اللّه لو وجدته في مجلس لخصمته، فسلوا محمّدا، أ كلّ ما يعبد من دون اللّه في جهنّم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة و اليهود تعبد عزيرا و النصارى تعبد عيسى، فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا ويل أمّه، أما علم أنّ (ما) لما لا يعقل و (من) لمن يعقل «4».

إلى غير ذلك من الآيات و الأخبار الدّالة على كونهم مشركين، فاتخاذ غير اللّه في

______________________________

(1) التوبة: 30 و 31.

(2) المائدة: 116.

(3) الأنبياء: 98.

(4) البحار: ج 18/ 200، و ربما يحكي جريان مواجهة ابن الزبعري مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنحو آخر مذكور في كتب الفريقين لا يهمّنا التعرّض له، من شاء فليراجع نور الثقلين ج 3/ 45، و الدرّ المنثور ج 4/ 338.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 42

قباله تعالى معبودا، و ربّا و مطاعا شرك،

كما أنّ اتّخاذ الشريك له تعالى في ذاته، و جعل الابن و الأنداد، و الأمثال له تعالى شرك.

و بالجملة جعل في الكتاب العزيز أهل الكتاب من المشركين تنزيلا، فيدخلوا في موضوع المشرك المحكوم بالنجاسة، فيحكم بنجاستهم.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ إطلاق المشرك على أهل الكتاب ليس على وجه الحقيقة، بل على نحو العناية بلحاظ بعض الاعتبارات كإطلاقه على المرائي و من أطاع الشيطان أو رجلا في معصية اللّه و قد أطلق المشرك في الكتاب العزيز على هؤلاء،- كما يتلى عليك- و لا يصحّ الحكم بنجاستهم، فالمراد بالمشرك المحكوم بنجاسته هو المرتبة الخاصّة منه و هو ما يقابل أهل الكتاب.

و إن شئت قلت: ذكر مزعمة اليهود في العزير، و النصارى في المسيح ملحوقة باتّخاذ الأحبار، و الرهبان أربابا من دون اللّه تعالى، و المراد باتّخاذهم أربابا ليس ما هو الظاهر منها، لعدم قولهم بألوهيتهم، بل المراد أنّهم أطاعوهم في أوامرهم و نواهيهم كما تشهد لذلك جملة من الأخبار.

فعن الكافي عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:

اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ «1» فقال: أما و اللّه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، و لو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، و لكن أحلّوا لهم حراما و حرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون «2».

و عن تفسير العيّاشيّ عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى:

______________________________

(1) التوبة: 31.

(2) تفسير نور الثقلين: ج 2/ 209.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 43

اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ قال: أما و اللّه، ما صاموا لهم و لا صلّوا و لكنّهم أحلّوا

لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فاتّبعوهم «1».

و في خبر آخر عنه: و لكنّهم أطاعوهم في معصية اللّه «2».

و عن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن قول اللّه اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ قال: أما إنّهم لم يتّخذوهم آلهة، إلّا أنّهم أحلّوا حلالا و أخذوا به، و حرّموا حراما فأخذوا به، فكانوا أربابهم من دون اللّه «3».

و في تفسير مجمع البيان عن الثعلبيّ بإسناده عن عديّ بن حاتم قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في عنقي صليب من ذهب فقال لي: يا عديّ اطرح هذا الوثن من عنقك. قال: فطرحته ثمّ انتهيت إليه و هو يقرأ من سورة البراءة اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً حتّى فرغ منها فقلت له: إنّا لسنا نعبدهم فقال: أ ليس يحرّمون ما أحلّ اللّه فتحرّمونه، و يحلّون ما حرّم اللّه فتحلّونه؟ قال فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم «4».

و عن ابن عبّاس أنّه قال: لم تأمرهم- أي الرهبان و الأحبار- أن يسجدوا لهم و لكن أمروهم بمعصية اللّه فأطاعوه فسمّاهم بذلك أربابا.

و في الدرّ المنثور أنّه سأل رجل حذيفة فقال: أ رأيت قوله تعالى اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ أ كانوا يعبدونهم قال: لا، و لكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه و إذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه.

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين ج 2/ 209.

(2) تفسير نور الثقلين ج 2/ 209.

(3) تفسير نور الثقلين ج 2/ 209.

(4) مجمع البيان: ج 3/ 23.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 44

و في معناه أخبار أخر فلاحظ الدرّ المنثور 3/ 231.

إلى غير ذلك من الأخبار.

فهذه الأخبار- كما ترى-

تدلّ على أنّ معنى اتّخاذهم الرهبان و الأحبار أربابا من دون اللّه هو الطاعة لهم في معصية اللّه، و ليس معناه أنّهم اعتقدوا أنّ الأحبار و الرهبان آلهة السماوات و الأرضين، و مع ذلك أطلق الشرك على الطاعة لهم.

فعلى هذا يوجب وهنا في مزعمة اليهود و النصارى في العزير و المسيح كما لا يخفى.

إلّا أن يقال: إنّ غاية ما تقتضيه الأخبار إنّما هي بالنسبة إلى أحبارهم و رهبانهم، و أمّا بالنسبة إلى العزير و المسيح عليهم السّلام فلا، فيمكن أن يقال: إنّ اليهود اعتقدوا أنّ العزير ابن اللّه كما قال تعالى قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ «1». و النصارى اعتقدوا أنّ المسيح هو اللّه كما يظهر من قوله تعالى أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ «2» و قوله تعالى في الآية الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ «3» و قوله تعالى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ «4» إلى غير ذلك من الآيات.

اللّهم إلّا أن يقال كما قيل: إنّ قولهم هذا في المسيح مذهب اليعقوبيّة من النصارى لا كلّهم، لأنّهم قالوا إنّ اللّه اتّحد بالمسيح اتّحاد الذات، فصار شيئا واحدا، و صار الناسوت لاهوتا، و ذلك قولهم: إنّه الإله، فلا يمكن إثبات الشرك لجميع طوائف النصارى.

______________________________

(1) التوبة: 30.

(2) المائدة: 116.

(3) التوبة: 30.

(4) المائدة: 73.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 45

و على قولهم بالتثليث يمكن أنّ يقال: إن مرادهم بذلك هو أنّ ذات وجوده تعالى واحد، و هو الأب، و لكنّ المسيح، و روح القدس، مرتبة ظهور أصل الذات، أو مرتبة ظهور صفاتها و نحو ذلك نظير ما يعتقده الشيعة الاثني عشريّ في حق أئمّة أهل البيت عليهم السّلام بأنّهم مظاهر قدرته و

صفاته و مجاري قدرته حسبما يستفاد من الزيارة الجامعة الكبيرة، فإذا هم في الحقيقة موحّدون و إن كانوا مشركين بحسب بعض الاعتبارات. هذا بالنسبة إلى النصارى و أمّا بالنسبة إلى اليهود فكذلك فلا يمكن إثبات الشرك لليهود مطلقا، لأنّ مجرّد القول بأنّ عزيرا ابن اللّه لا يوجب الشرك، و إن لزم منه الكفر هذا.

مع أنّه قد يقال: إنّه لا قائل اليوم من اليهود بذلك بل كانت شرذمة و انقرضوا، فلا يتناول الحكم الموجودين في هذه الأعصار، فعن ابن حزم الظاهريّ أنّ اليهود فارقونا في بعض الأنبياء، ثمّ قال: إنّ الصدوقيّة منهم يقولون من بين سائر اليهود: إنّ عزيرا ابن اللّه و كانوا بجهة اليمن، و احتمل أن تكون هذه الفرقة هم الذين وصفهم القرآن بقوله وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ. قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ «1» «2».

و ربما يوجّه مقالهم: بأنّ مرادهم بذلك أنّ عزيرا مظهر قدرة اللّه تعالى و ذلك لما روي عن ابن عبّاس في سبب قول يهود: بأنّ عزيرا ابن اللّه إن اليهود أضاعوا التوراة و عملوا بغير الحق فأنساهم اللّه التوراة، و نسخها عن صدورهم، أو أنّ بخت النصر أحرق التوراة، فتضرّع عزير إلى اللّه و ابتهل إليه فعاد حفظ التوراة إلى قلبه، فأنذر قومه به، فلمّا جرّبوه وجدوه صادقا فيه قالوا: ما تيسّر لعزير، إلّا أنّه ابن اللّه «3».

______________________________

(1) التوبة: 30.

(2) الملل و النحل: 1/ 98، طبع مصر.

(3) التفسير الكبير للفخر الرازيّ: ج 16/ 33.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 46

و عن السدي: أنّه قتل العمالقة علماءهم فلم يبق أحد يعرف التوراة «1»، و قيل فقدت نسخ التوراة غير نسخة واحدة كانت مدفونة في البيت المقدس أخرجها عزير

«2».

فتحصّل أنّه لم يثبت اعتقاد جميع اليهود بكون عزير ابن اللّه، و لو ثبت لم يوجب الشرك، و إن لزم منه الكفر، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ مرادهم بذلك كونه مظهر قدرته تعالى، كما تقول الشيعة في حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّه عين اللّه و يده الباسطة و نحو ذلك.

و كذا لم يثبت اعتقاد جميع طوائف النصارى بالتثليث.

فعن ابن حزم: إنّ طائفة من النصارى منكرون للتثليث موافقون لنا في الإقرار بالتوحيد، و عدّوا من الفرق الموحّدين، و هم أتباع (بولس) الشمشاطيّ و أتباع (مقدوينوس) الذين كانا بطريركين، و أتباع (آربولس) الذي كان قسّيسا، و لعلّهم الذين قصدهم القرآن بقوله تعالى لَيْسُوا سَوٰاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ أُمَّةٌ قٰائِمَةٌ يَتْلُونَ آيٰاتِ اللّٰهِ آنٰاءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ أُولٰئِكَ مِنَ الصّٰالِحِينَ «3».

و ربما يستدلّ بهذه الآية الشريفة بعد دلالتها على عدم اعتقاد جميع طوائف أهل الكتاب بالتثليث لعدم نجاسة جميع طوائفهم، لأنّه كيف يحكم بنجاسة جميع طوائف أهل الكتاب مع وجود هؤلاء القوم فيهم، و قد وصفهم اللّه تعالى بأنّهم أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل، و هم يسجدون يؤمنون باللّه و اليوم الآخر و يسارعون

______________________________

(1) التفسير الكبير: ج 16/ 34.

(2) تفسير مقتنيات الدرر: 5/ 129.

(3) آل عمران: 113 و 114.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 47

في الخيرات، و قد صرّح أخيرا بأنّهم من الصالحين.

و لكن يناقش بأنّ ما ذكر و إن كان ظاهر الآية الشريفة حيث دلّت على أنّ بعض أهل الكتاب على هذه الصفات إلّا ان مقتضى ما ورد في شأن نزول هذه

الآية لا يلازم ما ذكر لأنّه يقال: إنّها نزلت في شأن جماعة من أهل الكتاب الذين آمنوا و صدّقوا نبيّنا بعد ما ذمّهم أحبارهم، و إن اختلف في تعيين أفرادهم، فعن بعضهم:

إنّها نزلت في إسلام عبد اللّه بن سلام و جماعة بعد ما قالت أحبار يهود: بأنّه ما آمن بمحمّد إلّا أشرارنا، و لو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم و ذهبوا إلى غيره و بعضهم قال: إنّها نزلت في أربعين من أهل نجران، و اثنين و ثلاثين من الحبشة، و ثمانية من الروم كانوا على عهد عيسى عليه السّلام فصدّقوا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإذا ليس المراد بهؤلاء الذين وصفهم اللّه في الكتاب العزيز ما بقوا على ملّتهم بل بعد ما صدّقوا نبيّنا و وافقونا في الشريعة فتأمّل.

و يمكن أن يقال: إنّ مراد القائلين بالتثليث أنّه تعالى واحد، و المسيح و روح القدس مرتبة ظهور قدرة الذات أو الصفات أو نحو ذلك. فلم يثبت كون أهل الكتاب مشركين حقيقة.

الاستدلال لعدم كون أهل الكتاب من المشركين بجملة من الآيات

يمكن الاستشهاد لكون المراد من المشرك في الآية الشريفة ما يقابل أهل الكتاب بغير واحد من الآيات.

منها قوله تعالى مٰا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ، وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 48

عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ «1».

و منها قوله تعالى لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّٰاسِ عَدٰاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا «2».

و منها قوله سبحانه وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً «3».

و منها قوله عزّ من قائل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا، وَ الصّٰابِئِينَ وَ النَّصٰارىٰ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا «4».

و منها قوله تعالى

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ «5».

و منها قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ الْمُشْرِكِينَ «6».

إلى غير ذلك من الآيات.

فترى أنّه عطف المشركين أو الذين أشركوا بالواو على أهل الكتاب أو اليهود أو الذين هادوا، المقتضي للمغايرة بينهما موضوعا.

و قد عطف المشرك على اليهود و النصارى في خبر الوشّاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره سؤر ولد الزنا، و اليهوديّ، و النصرانيّ و المشرك و كلّ من خالف الإسلام «7».

______________________________

(1) البقرة: 105.

(2) المائدة: 82.

(3) آل عمران: 186.

(4) الحج: 17.

(5) البينة: 1.

(6) البينة: 6.

(7) الوسائل، باب 3، من أبواب الأسئار: ح 2.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 49

إطلاق المشرك على المسلم المطيع للشيطان

و ممّا يؤيّد أنّ إطلاق المشرك على أهل الكتاب لبعض الاعتبارات لا على وجه الحقيقة إطلاق المشرك على المسلم العاصي المطيع للشيطان. كقوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ وَ إِنَّ الشَّيٰاطِينَ لَيُوحُونَ إِلىٰ أَوْلِيٰائِهِمْ لِيُجٰادِلُوكُمْ، وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ «1». فأطلق على المؤمنين بلحاظ إطاعتهم الشيطان أنّهم مشركون.

و قوله سبحانه وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلّٰا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ «2». فترى أنّه تعالى أثبت الشرك على أكثر المؤمنين باللّه تعالى.

و قوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطٰانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمٰا سُلْطٰانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ «3».

فترى أنّه تعالى أطلق المشرك على المؤمن الذي يتولّى الشيطان و أشرك غيره تعالى في الطاعة إلى غير ذلك من الآيات.

و في خبر أبي بصير و إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ مٰا

يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلّٰا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ قال يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك «4».

و في خبر ظريف عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل:

______________________________

(1) الانعام: 121.

(2) يوسف: 106.

(3) النحل: 99- 100.

(4) أصول الكافي: ج 2/ باب الشرك ح 3/ 397.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 50

وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلّٰا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ قال: شرك طاعة و ليس شرك عبادة «1».

و خبر ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أطاع رجلا في معصية فقد عبده «2».

إلى غير ذلك من الأخبار.

إطلاق الشرك على الرياء و المشرك على المرائي

و قد ورد استعمال الشرك في القرآن في الرياء كما في قوله تعالى قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «3».

فقد أمر اللّه تعالى بالعمل الخالص، و أن يعبدوه مخلصين، فالإشراك بالرياء في العبادة شرك.

و قد أطلق المشرك على المرائي في جملة من الأخبار.

ففي خبر زرارة و حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا «4».

و خبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن تفسير قوله عزّ و جلّ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ «5» فقال من صلّى مراياة الناس فهو مشرك،

______________________________

(1) أصول الكافي: ج 2/ باب الشرك ح 4/ 397.

(2) أصول الكافي: ج 2/ باب الشرك ح 8/ 398.

(3) الكهف: 110.

(4) الوسائل باب 11 من أبواب مقدّمة العبادات:

ح 11.

(5) الكهف: 110.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 51

و من زكّى مراياة الناس فهو مشرك و من صام مراياة الناس فهو مشرك، و من حجّ مراياة الناس فهو مشرك، و من عمل عملا بما أمره اللّه عزّ و جلّ مراياة الناس فهو مشرك، و لا يقبل اللّه عزّ و جلّ عمل مراء «1».

و خبر علاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن تفسير هذه الآية فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال: من صلّى أو صام أو أعتق أو حجّ يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله فهو مشرك مغفور «2».

و قد أطلق الشرك على الرياء في غير واحد من الأخبار.

ففي خبر يزيد بن خليفة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كلّ رياء شرك. إنّه من عمل للناس كان ثوابه على الناس، و من عمل للّه كان ثوابه على اللّه «3».

و خبر شذاذ بن أوس قال: دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرأيت في وجهه ما ساءني فقلت ما الذي أرى بك؟! فقال: أخاف على أمّتي الشرك فقلت: أ يشركون من بعدك؟! فقال: أما إنّهم لا يعبدون شمسا و لا قمرا و لا وثنا و لا حجرا و لكنّهم يراؤون بأعمالهم و الرياء هو الشرك «4».

و خبر مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سئل فيما النجاة غدا؟ إلى أن قال: فاتّقوا اللّه في الرياء فإنّه الشرك باللّه. إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا

غادر، يا خاسر حبط عملك، و بطل

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين: ج 3/ 314.

(2) تفسير نور الثقلين: ج 3/ 317، و عن المحدث الكاشاني قدّس سرّه أنّه عنى بقوله ذلك: إنّ الرياء ليس من الشرك الذي قال اللّه تعالى إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، لأنّ المراد بذلك الشرك الجليّ و هذا هو الشرك الخفيّ.

(3) الوسائل باب 12 من أبواب مقدّمة العبادات: ح 4.

(4) مستدرك الوسائل باب 11 من أبواب مقدّمة العبادات: ح 17.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 52

أجرك بلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له «1».

و عن الشهيد الثاني في منية المريد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ أخوف ما أخاف عليكم، الشرك الأصغر قالوا: و ما الشرك الأصغر؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هو الرياء. «2».

إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في بابي 11 و 12 من أبواب مقدّمة العبادات من الوسائل و مستدركه و فيما ذكرناه كفاية في إثبات المقصود.

إطلاق الشرك على أدنى مراتب الطاعة لغير اللّه

و قد أطلق الشرك على أدنى مراتب الطاعة لغير اللّه في قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ، وَ جَعَلَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا لِيَسْكُنَ إِلَيْهٰا، فَلَمّٰا تَغَشّٰاهٰا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ، فَلَمّٰا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّٰهَ رَبَّهُمٰا لَئِنْ آتَيْتَنٰا صٰالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّٰاكِرِينَ، فَلَمّٰا آتٰاهُمٰا صٰالِحاً جَعَلٰا لَهُ شُرَكٰاءَ فِيمٰا آتٰاهُمٰا فَتَعٰالَى اللّٰهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ «3».

و بالجملة الشرك له مراتب لا يخلو منه غير المعصومين و قليل من المؤمنين، و معه كيف يحكم بنجاسة الشرك بماله من المراتب، فإنّ لازمه كما أشرنا الحكم بنجاسة المسلم المرائي في عمله أو المطيع للشيطان أو لرجل. و هو

كما ترى.

فتحصّل ممّا ذكرنا بطوله أنّ أهل الكتاب و إن كانوا مشركين ببعض مراتبه، و ببعض الاعتبارات، إلّا أنّ المتتبّع في القرآن المجيد يرى أنّ المشركين في لسان القرآن هم عبدة الأصنام و غيرها الّذين اعتقدوا بأنّها تملك لهم نفعا، و ضرّا، و هم

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب مقدّمة العبادات: ح 16.

(2) مستدرك الوسائل باب 11 من أبواب مقدّمة العبادات: ح 12.

(3) الأعراف: 189 و 190.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 53

غير أهل الكتاب، فلا يمكن إثبات نجاستهم بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، فلا بد لمن يريد إثبات نجاستهم من التماس دليل آخر.

إيقاظ

و ليعلم أنّ ما ذكرنا من عدم دلالة الآية الشريفة على نجاسة أهل الكتاب لا ينافي كفرهم، لدلالة غير واحد من الآيات و الأخبار، بل الإجماع بل ضرورة المذهب، بل ضرورة الدين على اشتراكهم مع المشركين في الكفر، و لا يخصّهما الكفر، بل يعمّ بعض المنتحلين بالإسلام و ان لم يكونوا من الخوارج و النواصب، و ان كانوا محكومين بالطهارة ظاهرا إلى أن تطلع شمس فلك الهداية. اللّهم عجّل فرجه و سهّل فرجه جعلني اللّه من كلّ مكروه فداه- كما قرّر في محله- فلا ملازمة بين الكفر و النجاسة بل تختلف الكفّار في ترتّب الآثار. و لذا يختلف المشركون و الملحدون مع أهل الكتاب في بعض الأحكام. مثلا لا يجوز للمشركين أن يسكنوا بلاد المسلمين و لا يؤخذ منهم الجزية و لا يقروا على مسلكهم و لا يجوز نكاحهم بخلاف أهل الكتاب فإنّه يجوز لهم ذلك بشرط التزامهم بشرائط الذمّة من الجزية و التبعيّة للمسلمين.

و قد نصّ في القرآن العظيم قبل الآية الشريفة بإظهار البراءة من المشركين، و

وجوب مقاتلتهم، و عدم قربهم المسجد الحرام، و عدم أخذ الجزية منهم إلى أن تصدّى بيان حكم أهل الكتاب و أنّه يقاتلون حتّى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون، فأهل الكتاب يؤخذ منهم الجزية لسدّ عيلة المسلمين، و يقرّ على مذهبهم دون المشركين إلى غير ذلك من الأحكام التي لعلّنا نشير إلى بعضها إن شاء اللّه.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 54

هذا كلّه في موقف الآية الشريفة في حكم أهل الكتاب و قد عرفت عدم دلالتها على نجاسة أهل الكتاب و غاية ما يستفاد منها نجاسة المشركين بأصنافهم الثلاثة- من الشرك في أصل العبادة و في الخلق و في الألوهيّة- و استفدنا نجاسة الملحدين و منكري أصل وجوده تعالى بالأولويّة القطعيّة.

الاستدلال لنجاسة أهل الكتاب بالسنة و دفعه

اشارة

يستدلّ لنجاسة أهل الكتاب بجملة من الأخبار.

منها: موثّق سعيد الأعرج «1». متن الخبر على ما في الكافي و التهذيب هكذا.

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر اليهوديّ و النصرانيّ؟ فقال: لا.

و نصّه على ما في الفقيه هكذا.

و سأله سعيد الأعرج عن سؤر اليهوديّ و النصرانيّ: أ يؤكل أو يشرب؟

قال: لا «2».

تقريب الدلالة هو أنّ ظاهر السؤال هو السؤال عن الأكل أو الشرب من سؤر اليهوديّ أو النصرانيّ من حيث الطهارة و النجاسة، و ظاهر قوله عليه السّلام لا يدلّ على حرمة ما باشره اليهوديّ أو النصرانيّ الكاشفة عن نجاستهم.

و السؤر و إن كان بحسب أصل اللّغة بقية الماء و الشراب التي يبقيها الشارب إلّا أنّه أستعير لبقيّة الطعام إذا كانت رطبة أو كانت الملاقاة مع الرطوبة، و هو المراد من

______________________________

(1) أورده شيخنا الحرّ العامليّ في عدّة مواضع من الوسائل منها في باب 3 من أبواب الأسئار ح 1

و منها في باب 14 من أبواب النجاسات ح 1. و منها في باب 54 من أبواب الأطعمة المحرّمة ح 1.

(2) الوسائل باب 54 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 1.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 55

الخبر لا مطلق البقية و إن كان جامدا كالحبوبات و الأسئار الجامدة غير الرطبة، لعدم تأثير ملاقاة اليابس في ملاقيه لقول الصادق عليه السّلام في خبر ابن بكير: كلّ شي ء يابس زكّى «1».

و فيه: إنّ غاية ما يستفاد منه هو نجاسة سؤرهم و أمّا أنّ ذلك بلحاظ نجاستهم الذاتيّة- كما هو المدّعى- أو بلحاظ نجاستهم العرضيّة، بلحاظ ابتلائهم بشرب الخمر، و أكل لحم الخنزير و غيرهما من النجاسات فلا، كما لا يخفى.

و لو فرض ظهوره في نجاستهم الذاتيّة فيرفع اليد عنه بما دلّ على طهارتهم الذاتيّة- كما سيتلى عليك- جمعا بين الأدلة.

و منها: خبر أبي سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه، و أبي الحسن عليهم السّلام قالا: لا تأكل من فضل طعامهم، و لا تشرب من فضل شرابهم «2».

رواه في دليل العروة ج 1/ ص 439 عن كتاب درست عن سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه، أو أبي الحسن عليهم السّلام.

و لعلّه اشتباه، لأنّ المشاهد في مستدرك الوسائل هكذا، عن كتاب درست بن أبي منصور، عن أبي المعزى عن أبي سعيد الأعرج، لا السعيد، و المروي عنه هو الإمامان عليهم السّلام لا أحدهما و اللّه العالم.

و كيف كان تقريب الاستدلال، و النّقاش كلّ منهما لائح ممّا ذكرنا في الخبر المتقدّم.

و منها صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمّة، و المجوسي؟ فقال: لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون،

و لا في آنيتهم

______________________________

(1) الوسائل باب 31 من أبواب الخلوة: ح 5.

(2) مستدرك الوسائل باب 38 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 2.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 56

التي يشربون فيها الخمر «1».

تقريب الدلالة: إنّه يدلّ على النهي عن الأكل من آنيتهم، و من طعامهم الذي يطبخون بلحاظ مباشرتهم إيّاه حين صنعه، و من الشرب عن آنيتهم الّتي يشربون فيها الخمر، فيستفاد منه نجاستهم.

و فيه: إنّ هذا الخبر لو لم يدلّ على طهارتهم الذاتيّة لما دلّ على نجاستهم، و ذلك لأنّ المترائى من قوله عليه السّلام: و لا في آنيتهم الّتي يشربون فيها الخمر، أنّ النهي عن الشرب بلحاظ أنّ الآنية يشرب فيها الخمر، فلو فرض أنّ أبدانهم نجسه ذاتيّة لكان المناسب النهي عن الشرب من آنيتهم الّتي باشروها برطوبة مسرية و إن لم يشربوا فيها الخمر.

و كذا النهي عن طعامهم الذي يطبخون فإنّه بلحاظ عدم اجتنابهم عن الأشياء النجسة من الميتة، و لحم الخنزير و نحوهما.

و بالجملة لو كان أهل الذمّة، و المجوس أنجاسا لكان الملائم الاجتناب عن جميع أوانيهم حتّى الآنية الّتي فيها الماء، و طعامهم الذي لم يطبخوا، فلا يلائم تقييد الآنية بما يشربون فيها الخمر، و لا تقييد طعامهم بما يصنعونه، فيلائم ان يكونوا طاهرين من حيث الذات نجسين من حيث العرض هذا.

مع أنّه لو نهى عن الشرب و الطعام من آنيتهم بلا قيد فإنّه لا يدلّ على نجاستهم الذاتيّة أيضا كما أشرنا، لأنّه من القريب أن يكون ذلك بلحاظ نجاستهم العرضيّة- كما أشرنا- و لك أن تقول: إنّه إذا كان للاجتناب عمّا باشروه جهتان: جهة ذاتيّة، و جهة

______________________________

(1) الوسائل باب 54 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 3.

لب

اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 57

عرضيّة، فإذا كانت ذوات أبدانهم نجسة كان عطف النظر إليها أولى كما قال اللّه تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ الآية. فقد أثبت النجاسة على ذوات أبدانهم بدلالة واضحة، و قد ترى أنّه في هذا الخبر و سائر الأخبار الّتي نشير إليها أطلق النهي عمّا باشره- لو كان له إطلاق- بلا عناية إلى الجهة الذاتيّة فلعلّه قرينة على عدم نجاستهم الذاتيّة فتأمّل.

و منها: صحيح آخر لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في (عن) رجل صافح مجوسيّا؟ فقال: يغسل يده و لا يتوضّأ «1».

تقريب الدلالة: إنّ المتبادر من الأمر بغسل اليد الملاقية ليد المجوسيّ انّه إرشاد إلى النجاسة، فمفاد الخبر: إنّ مصافحة المجوسيّ توجب نجاسة يده، إلّا أنّه لا يكون ناقضا للوضوء فلعلّ ذلك بلحاظ ما توهّم أنّ المصافحة معهم يوجب نقض الوضوء و بعدم القول بالفصل بين المجوسيّ و اليهوديّ و النصرانيّ يتمّ الحكم في أهل الكتاب.

و فيه: إنّ مقتضى خبر ابن بكير المتقدّم آنفا: إنّ كلّ شي ء يابس زكّى «2» المعاضد بالارتكاز و فهم العرف أنّ مجرّد المصافحة مع اليبوسة لا يوجب النجاسة، فإيجاب الغسل مطلقا لا مساغ له.

و حمله على وجود الرطوبة حمل له على الفرد غير الغالب و توهّم: أنّ الغالب في البلاد الحارّة عدم خلو يد المصافحين عن الرطوبة السارية.

مدفوع أوّلا: بأنّ الأحكام جارية مجرى القضيّة الحقيقيّة، أو الطبيعية- لا الخارجيّة- فلا تغلب رطوبة اليد عند المصافحة.

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 3.

(2) الوسائل باب 31 من أبواب الخلوة: ح 5.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 58

و ثانيا: أنّه لا تغلب الرطوبة في البلاد الحارّة في غير الصيف.

مع أنّ غلبة

الرطوبة في أيدي أبناء تلك الناحية في فصل الشتاء ممنوع.

نعم أبناء مثل ديارنا إذا كانوا في تلك الديار تغلب عليهم الرطوبة.

فإذا لا مساغ لإطلاق وجوب الغسل، فتحمل على استحباب غسل اليد عند مصافحة المجوس كما ذهب إليه بعضهم.

و يؤيّد ما ذكرنا، بل يمكن أن يستظهر منه عدم نجاسة اليد بالمصافحة مع المجوس ما رواه خالد القلانسيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، ألقى الذمّيّ فيصافحني؟ قال:

امسحها بالتراب أو بالحائط، قلت: فالناصب؟ قال: اغسلها «1».

لأنّ المسح بالتراب، أو الحائط ليس من المطهّرات عندنا فإذا يحمل قوله عليه السّلام في صحيح محمّد بن مسلم بغسل يده على الاستحباب، كما يحمل الأمر بغسل يد الناصب كذلك، إما لأجل التنزّه عن النجاسة المعنويّة، أو لأجل النجاسة و القذارة الظاهرية المتوهّمة، بلحاظ ما يقال: إنّهم لا يكادون يجتنبون عن مثل البول و الدم و الميتة و الكلب و الخنزير و غيرها من النجاسات.

و لعلّ التفرقة بين الذمّيّ، و الناصب، في خبر القلانسيّ بلحاظ أشدّيّة أمر الناصب بالنسبة إلى الذمّيّ و خباثته، و نجاسته و اللّه العالم.

و منها خبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام في مصافحة المسلم اليهوديّ و النصرانيّ قال: من وراء الثوب. فإن صافحك بيده فاغسل يدك «2».

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 4.

(2) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 5.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 59

تقريب الدلالة لائح ممّا تقدّم، كما إنّه يظهر ممّا تقدّم ضعف دلالته على وجوب الغسل.

و ربما يقال: «إنّ دلالته على استحباب غسل اليد بعد مصافحة أهل الكتاب أظهر من سابقه، لأنّ الأمر بغسل يده، لو كان مستندا إلى نجاستهم لم يكن وجه للأمر بمصافحتهم من وراء

الثوب، و ذلك لاستلزامها نجاسة الثوب فيلزمه عليه السّلام الأمر بغسل الثّوب إذا كانت المصافحة من ورائه، و بغسل اليد إذا كانت لا من ورائه» «1».

و بالجملة أهل الكتاب إن كانوا أنجاسا لتنجّس الثوب أيضا بمصافحتهم مع الرطوبة فيه، أو في يد الكافر و وجب غسله، فجواز المصافحة مع الثوب مطلقا و لو كانت مع الرطوبة دليل على طهارتهم، فلا بدّ من حمل الأمر بغسل اليد إذا صافحهم على الاستحباب.

فمدلول الخبر استحباب التجنّب عنهم و محبوبيّة الاستخفاف بهم بالمصافحة معهم من وراء الثوب، أو بغسل اليد إذا صافحهم بها أو مسحا بالثوب أو الحائط كما خبر القلانسيّ «2».

ذكر و تعقيب

فبما ذكرنا يظهر ضعف ما تشبّث به سيّد مشايخنا دام ظلّه على ما في تقرير بحثه لدلالة الخبر على نجاستهم.

و حاصل ما أجاب به دام ظلّه عن تفرقة الإمام عليه السّلام بين مصافحة المسلم معهما

______________________________

(1) التنقيح: ج 3/ 47.

(2) دروس في فقه الشيعة: ج 3/ 82.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 60

بيده و بينها إذا كان من وراء الثوب حيث أمر عليه السّلام بغسل اليد في الصورة الأولى و لم يأمر بغسل الثوب في الصورة الثانية أحد أمور:

الأوّل: أن يكون المراد بالمصافحة من وراء الثوب أن يكون بقطعة من الثوب أو خرقة حائلة بين يده و بين يد الكتابيّ و إن كان ذلك بأخذ المسلم شيئا من ثوب الكتابيّ نفسه، لا بثوب نفسه حتّى يتنجّس.

الثاني: أنّه على تسليم شموله لثوب المسلم يفرّق بين تنجّس اليد، و الثوب، فإنّ تنجّس اليد يحصل بمجرّد رطوبة يسيرة، و بلّة قليلة في يد أحدهما، بخلاف تنجّس الثوب، فإنّه يحتاج إلى رطوبة أكثر، و لا يتحقّق إلّا برطوبة ظاهرة

سارية كي يتأثّر بها، فربما تكون الرطوبة سارية في شي ء و لا تكون كذلك في غيره. و من المعلوم أنّ مشكوك الطهارة و النجاسة محكوم بالطهارة كما أنّ الاستصحاب أيضا يقتضي الطهارة في المقام حيث إنّ الثوب كان مسبوقا بها.

الثالث: أنّ الأمر بغسل اليد قرينة ظاهرة على الزوم غسل الثوب أيضا- لو صافحه من وراء الثوب- إذا أراد الصلاة فيه، لأنّه عليه السّلام لم يصرّح بعدم البأس أصلا، و إنّما جوّز المصافحة من وراء الثوب في الجملة باللّابيانيّة المحضة و الجملة الثانية صريحة في النجاسة فيرفع اليد عن إجماله و يستفاد منه تنجّس الثوب بالمصافحة هذا «1».

و أنت خبير بأنّه تكلّف شديد و إتعاب للنفس بلا دليل.

و ذلك لأنّ المتبادر من المصافحة من وراء الثوب هو من وراء ثوبه لا وراء ثوب اليهوديّ و النصرانيّ كما لا يخفى.

______________________________

(1) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 43.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 61

و إن أبيت عن ذلك فلا ينبغي الإشكال في أنّه مطلق فيعمّ صورة ما إذا كان من وراء ثوبه فيعود الاشكال.

و أمّا التفرقة بين تنجّس اليد و الثوب بقلّة الرطوبة و كثرتها فغير ظاهر، لأنّه إذا كانت لليد رطوبة يسيرة فكما توجب تنجّس اليد الملاقية لها توجب تنجّس الثوب الملاقي لها أيضا كما لا يخفى، نعم لا يبقى أثر النداوة فيه و يزول و هو غير مضرّ بتنجّسه.

و أما ما أفاده أخيرا ففيه: أنّ المترائى من صدر الخبر من تجويز المصافحة من وراء ثوبه- كما أشرنا- عدم تنجّسه و صحّة الصلاة فيه، فيكون ذلك قرينة على عدم وجوب غسل اليد إذا كانت المصافحة بيده.

و منها: خبر عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم رجل مجوسيّ أ يدعونه إلى طعامهم؟ فقال: أمّا أنا فلا أؤاكل المجوسيّ و أكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم «1».

تقريب الدلالة هو ترك مؤاكلته عليه السّلام مع المجوسيّ، و لو لا نجاسته لما كان لتركه وجه، و لعل عدم تحريمه للمسلمين المؤاكلة معهم لأجل عدم تمكّنهم من الاجتناب عنهم.

و فيه: أنّه من القريب أن يكون عدم مؤاكلة الإمام عليه السّلام معه لأجل عدم تناسب مؤاكلة إمام المسلمين مع منكر الشريعة، فتركه المؤاكلة معه من جهة الكراهة و التنزّه.

و أمّا كراهة تحريم ما يصنعونه في بلادهم بلسان آب عن حمله على عدم تمكّنهم من الاجتناب عنهم، فلعلّ ذلك لعدم إيقاعهم في الحرج في ترك معاشرتهم، لأنّه من

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 2.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 62

القريب جدّا أنّ ترك مخالطة أبناء محلّة، و بلد يكون الغالب عليهم المجوسيّ صعب و حرج، فإذا لعلّ دلالته على طهارة المجوسيّ أولى من دلالته على النجاسة الذاتيّة فتدبّر.

و منها صحيح عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن النصرانيّ يغتسل مع المسلم في الحمّام؟ قال: إذا علم أنّه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمّ يغتسل. و سأله عن اليهوديّ و النصرانيّ يدخل يده في الماء أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال: لا، إلّا أن يضطرّ إليه «1».

الظاهر أنّ مورد السؤال: الحوض الصغير المعمول المتعارف في تلك الأعصار الذي يتّصل بالأنبوبة بالخزانة المشتملة على الأكرار، فكانوا يصنعون حياضا صغارا في الحمامات ترتبط بواسطة الأنبوبة بالخزانة، باعتصام الحياض الصغار، باتّصالها بالأنبوبة بالخزانة،

فمتى انقطعت اتصالها بالخزانة تنفعل، كان الناس يقومون و يجلسون على جنبها، و يغتسلون من الأقذار و الجنابة و غيرهما.

فمورد السؤال الاغتسال من ماء الحوض الصغير غير البالغ حدّ الكرّ.

فأجاب عليه السّلام أنّه: إن علم المغتسل المسلم أنّ الذي يغتسل منه نصرانيّ، اغتسل المسلم من ماء آخر، و أمّا إذا فرغ النصرانيّ من تنظيفه، و أراد المسلم أن يغتسل في الحمّام وحده، فعند ذلك يطهّر أطراف الحوض و نواحيه، و يفتح الأنبوبة، فيطّهر ماء الحوض فيغتسل.

و على الجملة فاستظهر من ذلك نجاسة النصرانيّ. هذا.

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 9.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 63

و أمّا ذيل الخبر فيدلّ على جواز التوضّؤ من الماء الذي أدخل النصرانيّ يده فيه عند الاضطرار إليه.

نعم مع عدم الاضطرار يستحب التنزّه عنه، فيدلّ الخبر على طهارة اليهوديّ و النصرانيّ، لأنّه بناء على النجاسة لا يكاد يفرق بين صورتي الاضطرار و عدمه في عدم جواز التوضّؤ به، بل مقتضى القاعدة عند الاضطرار التيمّم فيكون هذا الماء أشبه شي ء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر حيث إنّه طاهر و لكن لا تستعمل في رفع الحدث عند عدم الاضطرار و أمّا عند انحصار الماء به فيستعمل في رفع الحدث و لا تتبدّل الوظيفة إلى التيمّم.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما عن شيخ الطائفة من حمل الاضطرار في الخبر على التقيّة، بمعنى جواز التوضّؤ من هذا الماء النجس تقيّة و لا يتظاهر بخلاف العامّة.

و ذلك لأنّه خلاف الظاهر، فإن الظاهر منه الاضطرار إلى الوضوء من الماء الذي أدخل اليهوديّ أو النصرانيّ يده فيه، لا الاضطرار إلى أن يتوضّأ بالماء الكذائيّ تقية. و اللّه العالم.

فعلى ما ذكرنا يكون بين

صدر الخبر، و ذيله نحو تخالف لأنّه إن كان المراد بالحوض في الصدر- كما استظهرنا- الحوض الصغير غير البالغ ماؤه حدّ الكرّ، فلم كرّر ذكره، و ذكر ذيلا جواز التوضّؤ به عند الاضطرار، مع أنّ القاعدة عند الاضطرار إليه للتوضّؤ هو التيمّم.

و إن كان المراد الحوض المشتمل على الكرّ، فلا يكاد ينفعل بملاقات عين النجس، فلم أمره عليه السّلام بالاغتسال بغير ماء الحمّام عند وجود النصرانيّ، و أمر بتطهير الحوض ثمّ الاغتسال منه وحده.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 64

فلا يلائم التوفيق بين صدر الخبر و ذيله، فيكون الخبر مجمل المراد، فلا يلائم الاستدلال بصدره على النجاسة، و تأويل ذيله أو الأخذ بذيله و حمل الصدر على ما إذا كانت يد اليهوديّ، أو النصرانيّ ملوثا بالقذرات، و النجاسات فيردّ علمه إلى أهله.

و منها: صحيح آخر لعليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: سألته عن مؤاكلة المجوسيّ في قصعة واحدة؟ و أرقد معه على فراش واحد، و أصافحه؟

قال: لا «1».

تقريب الدلالة: هو أنّ النهي عن مؤاكلة المجوسيّ في قصعة واحدة يدلّ على تنجّس التريد و نحوه الواقع في القصعة، بملاقاة يد المجوسيّ.

و قد يقال: إنّ النهي عن المؤاكلة مع المجوسيّ في قصعة واحدة و منع الرقود معه على فراش واحد و الاجتناب عن مصافحته كلها كاشفة عن كونه نجسا و لعدم الفصل بين المجوسيّ و اليهوديّ و النصرانيّ يتمّ الأمر فيهما أيضا «2».

و فيه: إنّ صدر الخبر و إن كان لا يخلو من الدلالة على النجاسة إلّا أنّ إرداف النهي عن الإرقاد معه على فراش واحد، و المصافحة معه مطلقا، يوجب وهنا في الدلالة لعدم تنجّس البدن بمجرد الرّقود مع

المجوسيّ على فراش واحد و عدم تنجّس اليد بمجرّد المصافحة معه، بل لا توجب المؤاكلة معه في القصعة مطلقا النجاسة و لو لم يكن ما في القصعة ذات رطوبة لأنّ المؤاكلة المنوع عنها من جهة النجاسة يختص بصورة رطوبة الطعام و ملاقاته يد المجوسيّ لا مطلقا.

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، در يك جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1418 ه ق

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب؛ ص: 64

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 6.

(2) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 47.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 65

و بالجملة لم تفرض الرطوبة في شي ء من المؤاكلة، و الرقود، و المصافحة في الخبر، فلعلّ النهي عنها بلحاظ كراهة الاختلاط معهم، و استحباب التنزّه، عنهم.

و منها: صحيح ثالث لعليّ بن جعفر قال: سألته عن فراش اليهوديّ، و النصرانيّ ينام عليه؟ قال: لا بأس، و لا يصلّى في ثيابهما، و قال: لا يأكل المسلم مع المجوسيّ في قصعة واحدة، و لا يقعده على فراشه، و لا مسجده، و لا يصافحه، قال: و سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال:

إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، و إن اشتراه من نصرانيّ فلا يصلي فيه حتّى يغسله «1».

تقريب الدلالة: هو أنّه عليه السّلام نهى عن الصلاة في ثوب اليهوديّ، و النصرانيّ، و الظاهر أنّه بلحاظ تنجّس الثوب بملاقاة أبدانهم. و كذا نهى عن أكل المسلم مع المجوسيّ في قصعة واحدة لأنّ الأكل معه في قصعة واحدة يلازم النجاسة. ففيما إذا أكل بيده فواضح لأنّه بمجرد إدخال اليد في القصعة يتنجّس الطعام

فيها، و يتنجّس الإناء، و إذا أكل بالملعقة فكذلك، لأنّه إذا أدخلها في فمه، و أخرجها فيتنجّس، فإذا أدخلها، و وضعها في القصعة يتنجّس الطعام طبعا، و يتنجّس الإناء أيضا، فعلى أيّ حال يلازم أكل المسلم معه الأكل من النجس.

و كذا النهي عن إقعاده على فراشه و على مسجده و لا يصافحه، كلّ ذلك لتنجّس فراشه، و مسجده، و يده بملاقاة بدنه، ثمّ أنّه أخيرا قال:

فإنّه لا يصلّي في الثوب الذي اشتراه من نصرانيّ حتّى يغسله، و ليس ذلك إلّا لتنجّس الثوب بملاقاة بدنه.

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 10.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 66

هذا غاية التقريب في دلالة الخبر على نجاسة أهل الكتاب.

و لكن الإنصاف عدم الدلالة بل مقتضى إطلاق صدره- حيث نفي البأس عن النوم على فراش اليهوديّ، و النصرانيّ مطلقا و لو مع الرطوبة- عدم نجاستهم.

إلّا أن يقال: إنّ نفي البأس من حيث مجرّد النوم على فراشهم من حيث هو فلا إطلاق له فتأمّل.

و أمّا النهي عن أكل المسلم مع المجوسيّ في قصعة واحدة فقد عرفت الأمر في الصحيح الثاني لعليّ بن جعفر فلاحظ.

و أمّا النهي عن الصلاة في ثوبهم فلا يمكن الأخذ بإطلاقه، لما دلّ على جواز الصلاة في الثوب المأخوذ منهم قبل الغسل.

ففي خبر أبي جميلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن ثوب المجوسيّ، ألبسه، و أصلّي فيه؟ قال: نعم. قلت: يشربون الخمر قال: نعم، نحن نشتري الثياب السابريّة «1» فنلبسها و لا نغسلها «2».

و في صحيح ابن سنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر: إنّي أعير الذمّيّ ثوبي و أنا أعلم أنّه يشرب الخمر و يأكل

لحم الخنزير فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه «3».

فاذا الأمر بغسل ثيابهم إمّا مخصوص بصورة ملاقاته أبدانهم مع الرطوبة، أو

______________________________

(1) تكرّر ذكر السابري في الحديث و هو ضرب من الثياب الرقاق يعمل بسابور معرّب شاپور كذا في مجمع البحرين.

(2) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 7.

(3) الوسائل باب 74 من أبواب النجاسات: ح 1.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 67

حمل الأمر بالغسل على الاستحباب و حسن التنزّه عنهم، و قد أشرنا أنّ الغالب على أبدانهم عدم خلوّها عن النجاسة العرضيّة، فلا يستفاد من ذلك أيضا نجاسة أبدانهم من حيث هي هي كما لا يخفى.

و منها صحيح هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي أخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ فقال: لا «1».

تقريب الدلالة: أنّ النهي عن الأكل من طعامهم يدلّ على أنّ ذلك بلحاظ مباشرتهم إيّاه بالطبع، فيستفاد نجاستهم.

و فيه: أنّه من القريب جدّا أن يكون النهي عن أكل طعامهم لعدم اجتنابهم عن الخمر، و الخنزير و غيرهما من النجاسات.

مع أنّه لم تفرض الرطوبة في النهي عن الأكل من طعامهم فلعلّ النهي عنها- خصوصا بلحاظ النهي عن مخالطتهم- كراهة الاختلاط معهم، و استحباب التنزّه عنهم لا لنجاستهم الذاتيّة.

و منها خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في آنية المجوس قال: إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء «2».

تقريب الدلالة: إنّ الظاهر من أمره عليه السّلام بغسل آنية المجوسيّ بالماء عند الاحتياج إليها، إرشاد إلى

نجاستها و ظاهره الاجتناب عن الآنية المضافة إليهم المستعملة لديهم بمباشرتهم إياها.

و فيه أنّه كما أفيد: لا يدلّ ذلك على نجاستهم الذاتيّة كما لا يخفى، لأنّه من القريب

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 7.

(2) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 12.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 68

أن يكون الأمر بالغسل من جهة تنجّس أوانيهم بسائر النجاسات الّتي لا يجتنبونها من جهة مباشرتهم لها «1».

و منها خبر عيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مؤاكلة اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ، أ فآكل من طعامهم؟ قال: لا «2».

تقريب الدلالة لائح ممّا قدّمناه حيث نهى عن أكل طعام مضاف إليهم، و كان مطبوخا لديهم، فيدلّ على نجاستهم.

و لكن قد عرفت أنّه لا يستفاد منه نجاستهم الذاتيّة بل من القريب أن يكون ذلك لنجاستهم العرضيّة، و أكلهم لحم الخنزير و شرب الخمر و نحوهما من النجاسات.

و منها: خبره الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مؤاكلة اليهوديّ، و النصرانيّ، فقال: لا بأس إذا كان من طعامك. و سألته عن مؤاكلة المجوسيّ فقال: إذا توضأ فلا بأس «3».

تقريب الدلالة: إنّ قوله عليه السّلام إذا كان من طعامك يدلّ بمفهومه على أنّه إذا كان من طعامهم لا يجوز المؤاكلة معهم، فيدلّ على نجاستهم.

و لكن ذيله- حيث قال: إذا توضأ فلا بأس يدلّ على أنّ الاجتناب عن طعامهم بلحاظ النجاسة العرضيّة لهم. و إلّا فهم من حيث الذات طاهرون و إلّا فلو كانوا أنجاسا لما كان للتوضّأ موقفا بل يكون مضرّا.

و منها: خبر إسماعيل بن جابر، و عبد اللّه بن طلحة قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا

______________________________

(1) دروس في

فقه الشيعة: ج 3/ 85.

(2) الوسائل باب 52 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 3.

(3) الوسائل باب 53 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 4.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 69

تأكل من ذبيحة اليهوديّ، و لا تأكل في آنيتهم «1».

تقريب الدلالة: هو أنّه عليه السّلام نهى عن الأكل عن الآنية المضافة إليهم، و مقتضى إطلاقه عدم جواز الأكل عنها و إن كانت الآنية ممّا يشرب فيها الماء فيدلّ على نجاستهم.

و لكن قد عرفت غير مرّة أنّ ذلك لعلّه بلحاظ نجاستهم العرضيّة، لا نجاستهم الذاتيّة.

و منها: خبر عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إيّاك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ و الناصب لنا أهل البيت فهو شرّهم فإنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و إنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» «2».

قد يقال: إنّ دلالته واضحة على نجاستهم و لا يحتمل الخلاف فيه، و صرّح فيه بأنّ الناصب أنجس من الكلب، و بالنسبة إلى اليهوديّ، و النصرانيّ كان شرّهم و فسّر شريّته بأنجسيّته من الكلب، فيستكشف نجاسة اليهوديّ و النصرانيّ لوجود المادّة (النجاسة) فيهم و إلّا لم يستقم معنى الشرّيّة. انتهى.

قلت: ورد بهذا المضمون عدّة أخبار فلاحظ الوسائل باب 11 من أبواب الماء المضاف، ح 1 و 3 و 4، و باب 27 من أبواب النجاسات، ح 12 و 14.

و لا يخفى أن المراد من غسالة الحمّام هو ماء البئر أو المحلّ الذي يجتمع فيه مياه الواردين في الحمّام الذين يغسلون أبدانهم بالماء فربما تبلغ ماء البئر أكرارا، و واضح

______________________________

(1) الوسائل باب 54 من أبواب الأطعمة المحرّمة:

ح 7.

(2) الوسائل باب 11 من أبواب الماء المضاف: ح 5.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 70

أنّه لا تنفعل بملاقات النجاسة ما لم تتغيّر، فلا يكاد تنفعل بوقوع النجاسة و غسالة أهل الكتاب و الناصبين فيه.

نعم يكره الاغتسال بذلك الماء بلحاظ مباشرة ميائها لأبدان من أشير إليهم و غيرهم.

و النهي عن الاغتسال بغسالة ماء الحمّام محمول على الكراهة، لدلالة غير واحد من الأخبار على جواز الاغتسال بها.

ففي خبر محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الحمّام يغتسل فيه الجنب و غيره، اغتسل من مائه قال: نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه ثمّ جئت فغسلت رجلي، و ما غسلتهما إلّا ممّا لزق بهما من التراب «1».

و خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: أخبرني عن ماء الحمّام يغتسل منه الجنب و الصبيّ و اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ؟ فقال: إنّ ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا «2».

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم انفعال الماء البالغ حدّ الكر بملاقاة القذر لا حظ باب 7 و 9 من أبواب الماء المطلق من الوسائل و غيره.

فمجرّد اجتماع غسالة المذكورين في الخبر في البئر، و لو كانوا أنجاسا لا يوجب نجاستها، و إنّما يتنزّه عنها.

و أمّا فقه الحديث فغاية ما يستفاد منه أنّ الناصب شرّ من اليهود و النصارى و المجوس، و لا إشكال في أنّ كلّهم أشرار و الناصب شرّهم، و لا يستفاد من هذه

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من أبواب الماء المطلق: ح 2.

(2) الوسائل باب 7 من أبواب الماء المطلق: ح 7.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 71

الفقرة نجاستهم كما لا يخفى، نعم الفقرة الأخيرة و هي قوله عليه السّلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و إنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه». تدلّ على نجاسة الكلب، و أنّ الناصب أنجس من الكلب، و لكن أيّ دلالة فيه على نجاسة اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ، و لعلّه من الوضوح بمكان.

و منها: مفهوم غير واحد من الأخبار الواردة في حلّيّة طعام أهل الذمّة، و قد عقد لها في الوسائل بابا (و هو باب 51 من الأطعمة المحرّمة) و أورد فيه أخبارا نذكر واحدا منها، و هو ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن طعام أهل الذمّة ما يحلّ منه؟ قال: الحبوب «1».

تقريب الدلالة: إنّ الظاهر خصوصا بقرينة التصريح في أخبار أخرى بالعدس و الحمص و البقول و نحوها يعلم أنّ المراد الأطعمة الّتي لم يعلم ملاقاة أبدانهم مع الرطوبة بها، فمفهومها أنّ طعام أهل الكتاب إذا لم يكن مثل الحبوب و نحوها و كان ممّا يعلم ملاقاة أبدانهم إيّاها رطبا لا يجوز أكله، فيدلّ على نجاستهم.

و فيه: أنّه قد عرفت أنّ مجرّد ذلك لا يدلّ على نجاسة أبدانهم ذاتا، و من القريب أن يكون ذلك بلحاظ نجاستهم العرضيّة.

و منها غير ذلك من الأخبار المتفرقة في أبواب الفقه الّتي يستشعر بل ربما يستظهر منها نجاستهم، بل ربما استفيد من بعض الأخبار الدالّة على طهارة أهل الكتاب نجاستهم فارتقب.

و لكنّ الذي يقتضيه النظر عاجلا عدم تماميّة دلالتها على النجاسة، و لا أظنّ أن تكون دلالتها أوضح ممّا ذكرنا.

______________________________

(1) الوسائل باب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 1.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 72

و قد عرفت ممّا ذكرنا عدم تماميّة دلالة الأخبار على نجاستهم الذاتيّة بعد إرجاع بعضها إلى بعض.

الوجه الاعتباريّ لنجاسة أهل الكتاب

بقي الكلام في الوجه الاعتباريّ الذي يوجد في بعض الكلمات في توجيه نجاسة أهل الكتاب و هو:

إنّ الحكم بنجاستهم من أحسن الأحكام السياسية الإسلاميّة حيث لزم على الأمّة الإسلاميّة التجنّب عنهم في جميع المجالات الاجتماعيّة- العسكريّة و الدبلماسيّة- و الاجتناب عن مودّتهم، و علاقتهم و أن ينظروا إليهم بحقارة و ذلّة و لا يجعلون لهم مكانة في المجتمع و الحكم بنجاستهم من أقوى العوامل في تثبيت ذلك و التبعيد عنهم.

و لا يخفى أنّ هذا أمر استحسانيّ لا يعتمد عليه في إثبات الحكم الشرعيّ و الحكم بنجاستهم، كيف و المنافقون مع كونهم أشدّ ضرارا و خسارة على حوزة الإسلام و المسلمين من الكفّار، محكومون بالطهارة.

بل و قد تكون المصلحة الاجتناب عن بعض فرق المسلمين و عدم مودّتهم، و عدم جعلهم ذا مكانة في المجتمع لما هم عليه من العقائد الفاسدة و خلاف مذهب الإماميّة و مع ذلك لم يحكم بنجاستهم.

و بالجملة، يلزم في الحكم بنجاسة أهل الكتاب من التماس دليل آخر لو كان، و جعل هذا تأييدا للقول بالنجاسة و من حكمها و مصالحها كما لا يخفى.

و قد عرفت عدم تماميّة ما يستدلّ به لنجاستهم الذاتيّة و غاية ما يمكن أن يقال هي نجاسة أبدانهم، و أوانيهم و أطعمتهم بلحاظ عدم اجتنابهم عن الخمر و لحم

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 73

الخنزير و شحمه و سائر النجاسات، فيشكل للفقيه الجزم بنجاستهم الذاتيّة بهذه الأخبار، بعد ما ذكرناه في ذيل كلّ واحد من الأخبار الّتي يستدلّ بها لنجاستهم.

و قد عرفت عدم دلالة قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ

«1» على نجاسة أهل الكتاب، و عدم تماميّة دلالة الوجه الاعتباريّ و الاستحسانيّ على نجاستهم.

فتحصّل أنّه لو لم يكن في البين ما يستدلّ به لطهارتهم لأشكل الحكم بنجاستهم حسبما فصّلناه.

و لو سلّم ظهورها في نجاستهم في حدّ نفسها، فلا بدّ من ملاحظة ما يستدلّ به لطهارتهم، فإن تمّت دلالتها فلا بدّ و أن يوفّق بينها و بين ما دلّ على نجاستهم على فرض الدلالة بحمل ما دلّ على الطهارة على طهارتهم الذاتيّة، و حمل ما دلّ على النجاسة على نجاستهم العرضيّة.

أدلّة القائلين بطهارة أهل الكتاب

اشارة

يستدلّ لطهارة أهل الكتاب بالكتاب، و السنّة و الأصل.

أمّا الكتاب فقوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ «2».

تقريب الدلالة: إنّه تعالى أحلّ طعام أهل الكتاب للمسلمين و طعام المسلمين لهم. و الطعام بحسب اللّغة: اسم لكلّ ما يطعم- أي كلّ ما يذاق و يطعم- كما أنّ الشراب اسم لكلّ ما يشرب.

______________________________

(1) التوبة: 28.

(2) المائدة: 5.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 74

و مقتضى حلّيّة طعام أهل الكتاب للمسلمين هو حلّيّة كلّ ما يصنعونه بأيديهم، و يعالجونه بمباشرتهم له، فمع نجاستهم كيف يحكم بطهارة ما باشروه بأيديهم، و يحلّ للمسلمين أكله، فلا بدّ و أن يكونوا محكومين بالطهارة ذاتا.

و تخصيص الطعام بالبرّ (الحنطة) و الحبوب و نحوها خلاف إطلاق الآية الشريفة مع اندراجه في الطيّبات الّتي ذكرت في أوّل الآية الشريفة مع أنّ حبوب المشركين و سائر الكفّار، و برّهم كانت محلّلة قبل نزولها، فلا وجه لتخصيص أهل الكتاب بالذكر.

أضف إلى ذلك أنّ الآية المباركة واقعة موقع الامتنان و التخفيف حيث صدر الآية بقوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ و كانت الآية في سورة المائدة

و قد ورد أنّها آخر ما نزلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد بسط الشريعة المقدّسة و انتشارها في أقطاع العالم.

و يستشهد لاستعمال الطعام في المعنى العامّ بآيات:

1- كقوله تعالى كُلُّ الطَّعٰامِ كٰانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرٰائِيلَ إِلّٰا مٰا حَرَّمَ إِسْرٰائِيلُ عَلىٰ نَفْسِهِ «1».

و قد ورد في تفسيره: إنّ يعقوب عليه السّلام أصابه داء في عرقه، فنذر أن لا يأكل اللّحم، فأطلق الطعام و أريد به ما يعمّ الحبوب و نحوها.

و لم يقل أحد أنّ المراد بالطعام في الآية الشريفة هو البرّ، و الحبوب، إذ لم يحرم شي ء منه على بني إسرائيل لا قبل نزول التوراة و لا بعده.

2- و قوله تعالى وَ يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً «2».

______________________________

(1) آل عمران: 93.

(2) الإنسان: 8.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 75

فأطلق الطعام و أريد منه المعنى العامّ.

3- و قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ «1».

فأطلق الطعام، و أريد منه صيد البحر.

و قوله تعالى فَإِذٰا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا «2». إلى غير ذلك من الآيات.

فأطلق الطعام في هذه الآيات و أريد منه كلّ ما يذاق و يؤكل فمن القريب أن يكون الطعام المذكور في الآية الشريفة بالمعنى الأعمّ.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الطعام بحسب أصل اللّغة و إن كان لكلّ ما يذاق و يطعم إلّا أنّه أطلق كثيرا و أريد منه البرّ خاصّة، أو مطلق الحبوب فيقرب أن يكون المقام من ذلك.

و قد صرّح بذلك أئمّة اللّغة:

ففي لسان العرب: و أهل الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البرّ خاصّة قال:

و قال الخليل: العالي في كلام العرب أنّ الطعام هو البرّ خاصّة و نحوه في

نهاية ابن الأثير ج 3/ ص 127.

و في المصباح المنير: إذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوا به البرّ خاصّة، و في العرف الطعام اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب.

و عن المغرب: إنّ الطعام اسم لما يؤكل، و قد غلب على البرّ. و في الصحاح: الطعام ما يؤكل، و ربما خصّ بالطعام البرّ. و عن مقاييس اللّغة الطعام البرّ، و ما يؤكل. و في مجمع البحرين: الطعام ما يؤكل، و ربما خصّ بالبرّ. إلى غير ذلك من عبائر اللّغويين.

______________________________

(1) المائدة: 96.

(2) الأحزاب: 53.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 76

و بالجملة فسّر الطعام في كلام بعض اللّغويين بالبرّ خاصّة، و في بعض آخر بالحبوب، فيقرب أن يكون إطلاق الطعام في الآية الشريفة من هذا الباب. و لا أقلّ من احتمال ذلك فيبطل الاستدلال.

و الطّيبات و إن ذكرت في صدر الآية الشريفة إلّا أنّه كرّرت للتأكيد كما ذكر جبرئيل و ميكائيل بعد دخولهما في الملائكة في قوله تعالى مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِلّٰهِ وَ مَلٰائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكٰالَ «1».

و وجه اختصاص أهل الكتاب بالحلّيّة فلعلّه لعدم وجود المشركين في جزيرة العرب عند نزول الآية الشريفة.

فتحصّل أنّه لم يعلم أنّ المراد من الطعام في الآية الشريفة بمعناه العامّ فلم يتمّ الاستدلال بها لطهارة أهل الكتاب. هذا أوّلا.

و ثانيا: و هو الذي يسهّل الخطب، و يرفع الغائلة من البين- هو تفسير الطعام في الآية الشريفة بالبرّ، أو الحبوب في لسان أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و هم أدرى بما في الكتاب، و في بيتهم نزل الكتاب، و هم أحد الثقلين الّذين أمر الأمّة الإسلاميّة بالأخذ بهما، و لن يفترقا حتّى يردا على الصادع

بالشرع في حوض الكوثر.

فالشيعة الإماميّة، بل جميع المسلمين- حسب حديث الثقلين و غيره- موظّفون بالمراجعة إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام و الأخذ بما صدر عنهم، فإن أبى أهل السنّة التمسّك بما صدر عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام فليست أوّل قارورة كسرت في الإسلام.

و لكنّ الشيعة الإماميّة لا بدّ لهم من الاقتداء بهم و الأخذ بحجزتهم و ما صدر من ناحيتهم المقدّسة.

______________________________

(1) البقرة: 98.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 77

فإليك الإشارة إلى بعض ما ورد في تفسير الآية الشريفة.

فعن تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبي بكر الحضرميّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ، قال عليه السّلام: عني بطعامهم هيهنا الحبوب و الفاكهة غير الذبائح الّتي يذبحونها. «1».

و خبر أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فقال عليه السّلام: الحبوب و البقول «2».

و خبر هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ؟ فقال: العدس و الحمص و غير ذلك «3».

و خبر قتيبة الأعشى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث أنّه سئل عن قوله تعالى:

وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ قال: كان أبي يقول إنّما هي الحبوب و أشباهها «4».

و مرسل صدوق قال: سئل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ قال: يعني الحبوب «5».

و بإسناده عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السّلام قال:

العدس و الحمص و غير ذلك «6».

و العيّاشيّ في تفسيره عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تبارك

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين ج 1/ 593.

(2) تفسير نور الثقلين ج 1/ 593.

(3) الوسائل باب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 5.

(4) الوسائل باب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 4.

(5) الوسائل باب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 6.

(6) الوسائل باب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 7.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 78

و تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ قال: العدس و الحبوب و أشباه ذلك يعني من أهل الكتاب «1» إلى غير ذلك من الأخبار.

و ثالثا: إنّه يمكن أن يقال: إنّه تعالى بعد أن حرص المؤمنين و حثّهم على أن يكونوا أشدّاء على الكفّار و شوّقهم على أن ينقطعوا عنهم و لا يعتمدوا عليهم و لا يتّخذوهم أولياء فقال فيما قال يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصٰارىٰ أَوْلِيٰاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ، وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ «2» تخيّل المسلمون حرمة أيّ ارتباط و علقة بينهم و بين اليهود و النصارى حتّى الاقتصاديّ منها، و توهّموا أنّ اشتراء أمتعتهم أيضا حرام ممنوع عنه. فنبّههم اللّه على خطأهم و على إباحة هذه الأمور بقوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ.

و لكن لا إطلاق لقوله تعالى هذا بحيث يحلّ للمسلمين طعام الكتابيّ مطلقا و في جمع الحالات الطارئة، فيمكن الحكم بنفي الحلّيّة و الحكم بالنجاسة بلحاظ بعض الطوارئ بملاقاتها مع أبدانهم النجسة بملاقات الخمر و الخنزير و سائر النجاسات.

فلك أن تقول

حلّيّة طعام أهل الكتاب للمسلمين في حدّ نفسه لا ينافي نجاسته بلحاظ طروّ بعض العوارض فلعلّ تفسير الإمام عليه السّلام: الطعام في الآية بمثل الحبوب بلحاظ أنّ غير الحبوب من طعامهم و إن كان متّصفا بالحلّيّة ذاتا إلّا أنّه محرّم لعروض بعض الحالات، و أمّا مثل الحبوب فهو طاهر ذاتا و لم يعلم ملاقاتها مع أبدانهم الملوّثة بالنجاسات.

______________________________

(1) الوسائل باب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 8.

(2) المائدة: 51.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 79

و إن شئت قلت: إنّ الإمام عليه السّلام بصدد بيان الحلّيّة الفعليّة لطعام أهل الكتاب و لذا فسّره بالحبوب و نحوها لأنّها محقّقة فيها دون غيرها.

فتحصّل أنّ غاية ما يستفاد من الآية الشريفة بضميمة ما ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام حلّيّة طعامهم من حيث إنّه طعامهم. أنّه لا يصير الطعام بمجرد أنّه طعامهم حراما بل إنّما يحرم منه ما تنجس بملاقاة النجس.

و إن شئت قلت: إنّ إطلاق الحلّيّة في الآية الشريفة إنّما هو من حيث إضافة الطعام إليهم إضافة اختصاصيّة كما هو الشأن في قوله تعالى وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فمعنى الآية الشريفة أنّه: لا بأس بأن تنقلوا و تبيعوا طعامكم منهم، كما أنّه لا بأس أن ينتقل منهم و تشتروا أنتم طعامهم و ليس لها إطلاق من حيث مباشرتهم بأيديهم المتقذّرة و طبخهم و من حيث جنس الطعام حتّى يحلّ لكم لحم الخنزير و الخمر و ذبائحهم و غير ذلك فتدبّر.

الأخبار الّتي يستدلّ بها لطهارة أهل الكتاب

ربمّا يدّعى أنّ هنا أخبارا مستفيضة تدلّ على طهارة أهل الكتاب.

منها: صحيح إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: لا تأكله، ثمّ سكت هنيئة ثمّ

قال: لا تأكله، ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال: لا تأكله و لا تتركه تقول: إنّه حرام و لكن تتركه تتنزّه عنه، إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير «1».

تقريب الدلالة هو أنّه عليه السّلام و إن نهى عن أكل طعام أهل الكتاب أوّلا و ثانيا إلّا أنّه

______________________________

(1) الوسائل باب 54 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 4.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 80

علّل النهي عن أكل طعامهم، بأنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير و هو يدلّ على عدم نجاسة ذواتهم و إلّا لم يحسن التعليل بالنجاسة العرضيّة الّتي قد يتفق و قد لا يتفق، مع تحقّق النجاسة الذاتيّة.

و لعلّ تكرار النهي بلحاظ مرجوحيّة أكل طعامهم، و عدم تمايله الأكل معهم مهما أمكن بلحاظ أنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير و أن لا يرغبوا مهما أمكن في طعامهم.

و عن بعض الأساطين قدّس سرّه:

«إنّ هذا الخبر كالصريح في أنّ النهي عن مؤاكلة أهل الكتاب تنزيهيّ و ليست بحرام، فيدلّ على طهارتهم بالصراحة و معه لا مناص من رفع اليد عن ظاهر الطائفة الأولى بصراحة الثانية كما جرى على ذلك ديدن الفقهاء قدّست أسرارهم، في جميع الأبواب الفقهيّة عند تعارض النصّ و الظاهر و من هنا ذهب صاحب المدارك و السبزواريّ قدّس سرّهما إلى ذلك و حملا الطائفة الأولى على الكراهة و استحباب التنزّه «1». انتهى.

و قد سبقه في ذلك صاحب المعالم قدّس سرّه حيث قال في ذيل هذا الخبر:

«قال والدي رحمه اللّه: تعليل النهي في هذه الرواية بمباشرتهم للنجاسات تدلّ على عدم نجاسة ذواتهم، إذ لو كانت نجسة لم يحسن التعليل بالنجاسة العرضيّة الّتي قد تتفق، و قد لا تتفق «2». انتهى.

و منها:

صحيح عيص بن قاسم و الخبر على نقل الكافي هكذا.

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مؤاكلة اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ، فقال: إن

______________________________

(1) التنقيح: ج 3/ 53.

(2) فقه معالم الدين: 255.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 81

كان من طعامك و توضّأ فلا بأس «1».

و عن التهذيب و الفقيه هكذا.

قال: سألت عن مؤاكلة اليهوديّ و النصرانيّ؟ فقال: لا بأس، إذا كان من طعامك و سألته عن مؤاكلة المجوسيّ؟ فقال: إذا توضّأ فلا بأس «2».

و في المحاسن قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مؤاكلة اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ؟ فقال: إذا أكلوا من طعامك و توضّأوا فلا بأس «3».

تقريب الدلالة: إنّه يدلّ على جواز مؤاكلتهم من طعام المسلم، إذا توضّأوا و غسلوا أيديهم، فلو لا طهارتهم ذاتا لم يكن وجه لجواز المؤاكلة معهم إذا توضّأوا.

و عليه يكون المنع عن المؤاكلة من طعامهم بلحاظ نجاستهم العرضيّة الحاصلة من مباشرتهم الخمر و لحم الخنزير و غيرهما من النجاسات.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما في المستمسك و غيره. من أنّ «المؤاكلة أعمّ من المساورة بل غيرها، لأنّ معنى المؤاكلة أن يكون معه على مائدة واحدة، و إن كان بأكل كلّ من ظرف مستقل، و مختصّ به فلا يدلّ الخبر على طهارتهم و أنّ التقييد بالتوضّؤ يمكن أن يكون لأجل النظافة لكي يرغب الجلوس معه على مائدة واحدة» «4».

توضيح الضعف ظاهر ممّا ذكرنا، لأنّ الظاهر من المؤاكلة- بقرينة الأمر بالتوضّؤ- هي المساورة، لا المؤاكلة على مائدة واحدة.

______________________________

(1) الوسائل باب 53 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 1 و 4.

(2) الوسائل باب 53 من أبواب الأطعمة المحرّمة: ح 1 و 4.

(3) محاسن البرقي: ج 2/ 453.

(4)

مستمسك العروة الوثقى: ج 1/ 371.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 82

و منها صحيح إبراهيم بن أبي محمود الخراسانيّ قال: قلت للرضا عليه السّلام: الجارية النصرانيّة تخدمك و أنت تعلم أنّها نصرانيّة لا تتوضّأ و لا تغتسل من جنابة. قال: لا بأس تغسل يديها «1».

تقريب الدلالة: هو أنّ الصحيح كالصريح في المدّعى، و أنّه ليس في الجارية النصرانيّة إلّا النجاسة العرضيّة المرتفعة بغسل يديها، من غير فرق بين كون السؤال عن قضيّة شخصيّة- بأن كانت عند الإمام عليه السّلام جارية نصرانيّة تخدمه عليه السّلام- و لكنّه بعيد لجلالة الراوي، لأنّه من كبراء الرواة، و لا يحتمل في حقّه أن يسأل عن فعل الإمام عليه السّلام كما لا يسأله عن قوله، لأنّ فعله عليه السّلام كقوله حجّة في حقّ السائل. أو قضيّة حقيقيّة فرضيّة- كما هي الدارجة بين الناس و في الأسئلة من المجتهدين و الفقهاء، حيث إنّهم قد يفرضون المخاطب مبتلى بالسؤال أو يفرض نفسه أو شخصا غائبا مبتلى بذلك و غرضهم بذلك تصوير المسألة و إحضارها و ترسيم صورة السؤال.

و كيف كان فعلى الاحتمال الأوّل يكون قوله عليه السّلام: تغسل يديها، جملة خبريّة، معناه عدم البأس بخدمتها لطهارة يديها و ارتفاع نجاستها العرضيّة بالغسل. و على الاحتمال الثاني تكون جملة إنشائيّة تدلّ على وجوب غسل اليد على الجارية.

و على التقديرين يدلّ الصحيح بوضوح على طهارة أهل الكتاب و أنّه لا مانع من استخدامهم، إلّا نجاستهم العرضيّة المرتفعة بالغسل.

إذا أحطت خبرا بما ذكرنا يظهر لك ضعف احتمال أن يكون السؤال عن أصل جواز الاستخدام و عدمه، فكأنّ السائل يستبعد جواز استخدام النصرانيّة خصوصا بملاحظة أنّها لا تغسل و لا تتوضّأ. فأجاب الإمام عليه

السّلام بالجواز و نفي البأس معلّلا بأنّها

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب النجاسات: ح 11.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 83

تغسّل يديها فيزيل الأوساخ المنفرة.

مع أنّ الاستخدام بمكان من السهولة لأنّه يمكن أن يستخدمها لأمور غير مستلزمة للنجاسة ككنس الدار و طحن الحنطة و الشعير و أشباه ذلك، لا في طبخ الطعام و أمثاله «1».

توضيح الضعف هو أنّ المتبادر منه هو السؤال عن تولّي النصرانيّة أمور البيت من الطبخ و غيره، مع أنّها لا تتوضّأ و لا تغتسل. فأجاب عليه السّلام بنفي البأس معلّلا ذلك بأنها تغسل يديها، فيدلّ على أنّه لو لم تغتسل يديها لما جاز لها تولّي أمور البيت.

و من الواضح أنّ حكمة تغسيل يديها بلحاظ عدم تنجس أمور البيت بملاقاتها يديها بعد ذلك. فما احتمله أخيرا من أنّ الاستخدام لا يستلزم النجاسة غير واضح بداهة أنّه لا يلائم غسل اليد لمثل كنس الدار مع أنّه عليه السّلام صرّح بأنّها تغسل يديها.

و الإنصاف أنّ دلالة الخبر على عدم نجاسة أهل الكتاب ذاتا واضحة كما لا يخفى.

و منها: صحيح آخر لإبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السّلام: الخيّاط أو القصّار يكون يهوديّا أو نصرانيّا و أنت تعلم أنّه يبول و لا يتوضّأ، ما تقول في عمله؟

قال: لا بأس «2».

تقريب الدلالة: إنّه عليه السّلام جوّز أن يكون اليهوديّ أو النصرانيّ خيّاطا للمسلم، أو قصارا له يخيط، أو يبيّض ثيابه، و من المعلوم أنّه لو كان الخيّاط أو القصّار نجسا تسري نجاسته إلى الثوب الذي خاطه أو بيّضه ملازمة عادية.

و توهّم أنّ السؤال في الحقيقة عن حكم الشّك خصوصا في الخيّاط، لأنّه من

______________________________

(1) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 83.

(2) التهذيب:

ج 6/ 385.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 84

الممكن عدم ملاقاة الثوب مع بدن الخياط مع الرطوبة.

مدفوع بأنّه خلاف الظاهر، لأنّه من المعلوم عادة ملاقاة الثوب لبدن الخيّاط مع الرطوبة في الأعصار المتقدّمة الّتي تخاط الثوب باليد.

و لو فرض عدم العلم بملاقات بدن الخياط للثوب مع الرطوبة قياسا لخياطة الأعصار المتقدّمة بمثل عصرنا الذي يخاط بالمكائن و لكن لا يجري هذا الفرض في القصّار الذي كان يغسل الثوب بيده و يبيّضه، فنفي البأس عن عمله يدلّ على طهارة الكتابيّ، و عدم تنجّس الثوب بملاقاته رطبا.

و إلى ما ذكرنا يشير ما عن بعض الأساطين قدّس سرّه: إنّ في صحيحي إبراهيم بن أبي محمود المشتملين على قول السائل: «و أنت تعلم أنّها نصرانيّة لا تتوضّأ و لا تغتسل من جنابة» و قوله في الآخر: «و أنت تعلم أنّه يبول و لا يتوضّأ» دلالة واضحة على أنّ طهارة الكتابيّ عنده كانت واضحة و السؤال عن نجاستهم العرضيّة لأنّه من الواضح أنّه لو كان الكتابيّ نجسا ذاتا لم يكن حاجة في السؤال عن استخدامه إلى إضافة فرض تنجّسه بالمنيّ أو البول، و عدم غسله منهما، فلا حاجة إلى إضافة الحملين في السؤال بعد كفاية النجاسة الذاتيّة في السؤال عن حكم المخالطة معه «1».

انتهى.

و منها: خبر زكريّا بن إبراهيم، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: إنّي رجل من أهل الكتاب و إنّي أسلمت و بقي أهلي كلّهم على النصرانيّة و أنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد، فآكل من طعامهم؟ فقال لي: يأكلون الخنزير؟ فقلت: لا،

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة: ج 3/ 94.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 85

و لكنّهم يشربون الخمر.

فقال لي: كل معهم و اشرب «1».

و الخبر منقول في أصول الكافي ج 2/ ص 160 بتفصيل لطيف غير مذكور في هذا النقل ينبغي ملاحظته.

و إليك نصّ الخبر. قال زكريّا بن إبراهيم: كنت نصرانيّا فأسلمت و حججت فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: إنّي كنت على النصرانيّة و إنّي أسلمت، فقال: و أيّ شي ء رأيت في الإسلام؟ قلت قول اللّه عزّ و جلّ (مٰا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتٰابُ وَ لَا الْإِيمٰانُ وَ لٰكِنْ جَعَلْنٰاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشٰاءُ) «2» فقال: لقد هداك اللّه، ثمّ قال: اللّهمّ اهده، ثلاثا. سل عمّا شئت يا بنيّ! فقلت: إنّ أبي و أمّي على النصرانيّة و أهل بيتي.

و أمّي مكفوفة البصر فأكون معهم و آكل في آنيتهم فقال: يأكلون لحم الخنزير؟

فقلت: لا و لا يمسّونه فقال: لا بأس، فانظر أمّك فبرّها فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك كن أنت الذي تقوم بشأنها و لا تخبرنّ أحدا أنّك أتيتني حتّى تأتيني بمنى إن شاء اللّه.

قال: فأتيته بمنى و الناس حوله كأنّه معلّم صبيان «3». هذا يسأله و هذا يسأله. فلمّا قدمت الكوفة ألطفت لأمّي و كنت أطعمها و أفلي «4» ثوبها و رأسها و أخدمها، فقالت لي: يا بنيّ، ما كنت تصنع لي هذا و أنت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفيّة؟!! فقلت: رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبيّ؟ فقلت: لا و لكنّه ابن نبيّ، فقالت: يا بنيّ إنّ هذا نبيّ إنّ هذه وصايا الأنبياء فقلت:

______________________________

(1) الوسائل باب 54 من أبواب الأطعمة المحرّمة: 5.

(2) الشورى: 52.

(3) كان التشبيه في كثرة اجتماعهم و سؤالهم و لطفه عليه السّلام في

جوابهم و كونهم عنده بمنزله الصبيان في احتياجهم إلى المعلّم.

(4) في القاموس فلا رأسه يفليه: بحثه عن القمل كفلاه.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 86

يا أمّه إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ و لكنّه ابنه. فقالت: يا بنيّ دينك خير دين أعرضه عليّ فعرضته عليها فدخلت في الإسلام و علّمتها، فصلّت الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة، ثمّ عرض لها عارض في الليل فقالت: يا بنيّ أعد عليّ ما علّمتني.

فأعدته عليها فأقرّت به و ماتت، فلمّا أصبحت كان المسلمون غسلوها و كنت أنا الذي صلّيت عليها و نزلت في قبرها.

فكيف كان يستفاد من الخبر بوضوح: انّ أهل الكتاب ليسوا أنجاسا بالذات، و إنّما يمنع عن مؤاكلتهم ابتلاؤهم بالنجاسات من جهة أكل لحم الخنزير و نحوه، فإذا لم يأكلوها فلا مانع من مؤاكلتهم.

نعم في الخبر تفصيل بين لحم الخنزير و الخمر، حيث يستفاد منه تنجّس الأواني بملاقاة لحم الخنزير، أو ما يلاقيه بخلاف الخمر، و هذا ممّا لا يساعد عليه مذهب أصحابنا الإماميّة من نجاسة الخمر، فيوجب ذلك و هنا في الاستدلال بالخبر.

و لكن يمكن دفعه كما أفيد:

«إنّ التفصيل لعلّه بلحاظ أنّ أواني الخمر مخصوصة معدّة لها يمكن الاجتناب عنها غالبا أو لعلّ السائل لم يكن يبتلى بالآنية الّتي يشربون فيها الخمر «1» أو أنّه عند شربها لا يتنجّس غالبا سوى الشفتين، و هما يغسلان في كلّ يوم و لو مرّة واحدة فترتفع نجاستهما، فلا يكون ابتلاؤهم بشرب الخمر مانعا عن مؤاكلتهم و هذا بخلاف لحم الخنزير، لأنّه في معرض ملاقاة أكثر الأواني، أو أنّ غاية ما هناك دلالة الخبر على طهارة الخمر، فتكون هذه الفقرة منه في عداد الأخبار الدالّة على

طهارتها، الّتي

______________________________

(1) التنقيح: ج 3/ 50.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 87

لا بدّ من علاجها جمعا، أو طرحا، فلا يضرّ في الاستدلال على المطلوب بباقي الخبر «1».

و إن أبيت عن ذلك كلّه فيمكن أن يقال: إنّ التفصيل جار مجرى التقيّة، حيث إنّ العامّة يرون طهارة الخمر بخلاف لحم الخنزير، و لذا سأل عليه السّلام عن أكلهم لحم الخنزير، و السائل نفى ذلك، و اعترف بأنّهم يشربون الخمر، فحكم بجواز الأكل و الشرب معهم تقيّة فتأمّل.

و منها: موثّق عمّار الساباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهوديّ؟ فقال نعم، فقلت من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال: نعم «2».

دلالته على طهارة أهل الكتاب واضحة، إذ لو لا طهارتهم لتنجّس ماء الكوز أو الإناء بشربهم و لم يجز التوضّؤ منه.

و المناقشة في الدلالة:

الف- إمّا بأنّه لا دلالة للموثّق على طهارة الكتابيّ، و غاية ما تدلّ هي جواز التوضّؤ من ماء الكوز الذي شرب منه ممّن يظنّ أو يحتمل كونه يهوديّا بقرينة قوله:

على أنّه يهوديّ.

ب- أو بأنّ غاية ما يقتضيه هي عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة، فيكون سياق الموثّق سياق الأخبار الدالّة على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس غير مسموعة و تكلّف غير وجيه كما لا يخفى على البصير.

______________________________

(1) دروس في فقه الشّيعة: ج 3/ 88.

(2) الوسائل باب 3 من أبواب الأسئار: ح 3.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 88

الأخبار الدالّة على جواز الصلاة في الثوب الذي يعمله المجوس و أهل الكتاب

منها: صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابريّة «1» يعملها المجوس و هم إجناب (أخباث) و هم يشربون

الخمر و نساؤهم على تلك الحال ألبسها و لا أغسلها، و أصلّي فيها؟ قال: نعم، قال معاوية: فقطعت له قميصا، و خططته و فتلت أزرارا و رداء من السابريّ ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار، فكأنّه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة «2».

دلالته على طهارتهم الذاتيّة واضحة لأنّ فرض تنجّسهم بالجنابة، و الخمر مع كونهم نجسين ذاتا يكون لغوا فيكون ذلك دليلا على أنّ طهارتهم الذاتيّة كانت ارتكازيّا و إنّما وقع السؤال عن النجاسة العرضيّة.

و بالجملة كما أفيد اضافة قوله: و هم إجناب يشربون الخمر شاهدة على ارتكاز طهارتهم في ذهن السائل و إنّما سأله عمّا يعملونه لكونهم مظنّة للنجاسة العرضيّة، و إلّا لم تكن حاجة إلى إضافته «3».

هذا على نسخة و هم إجناب و أمّا على نسخة أخباث فلا يلائم ما ذكرنا إلّا أنّه كما أفيد أنّه غلط لا يناسبه قوله، و هم يشربون الخمر بخلاف الجنابة بجامع النجاسة العرضيّة كما لعلّه ظاهر «4».

و حاصل جواب الإمام عليه السّلام: إنّ الملاقاة مع أبدانهم رطبا مشكوكة، كما أنّ تنجّس

______________________________

(1) السابريّ: ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور موضع بفارس، و سابور ملك معرّب شاپور كذا في مجمع البحرين.

(2) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 1.

(3) التنقيح: ج 3/ ص 56.

(4) التنقيح: ج 3/ ص 56.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 89

أبدانهم حال حياكة السابريّة أيضا مشكوك.

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام، و أنا حاضر: إنّي أعير الذمّيّ ثوبي و أنا أعلم أنّه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال: صلّ فيه و

لا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن أنّه نجّسه فلا بأس أن تصلي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه «1».

دلالته على طهارة الذمّيّ ذاتا واضحة، فإنّ منشأ السؤال هو احتمال النجاسة العرضيّة، و إلّا كان الأنسب في السؤال فرض احتمال إصابة بدنه، أو يده مع الرطوبة للثوب.

و لا يخفى أنّه يستفاد من التعليل في الخبر حجّيّة الاستصحاب فينبغي ذكره في عداد أخبار الاستصحاب.

و منها: خبر الاحتجاج عن الحميريّ أنّه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام: عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة، و لا يغتسلون من الجنابة، و ينسجون لنا ثيابا فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟ فكتب عليه السّلام إليه في الجواب: لا بأس بالصلاة فيها «2».

دلالته على عدم نجاسة المجوسيّ ذاتا واضحة، و أنّ السؤال بلحاظ أكلهم الميتة و عدم اغتسالهم من الجنابة، فيكونوا معرضا للنجاسة العرضيّة و لذا أجابه عليه السّلام: بجواز الصلاة قبل الاغتسال، لعدم العلم بتنجّس الثياب.

و منها: خبر أبي جميلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن ثوب المجوسيّ: ألبسه و أصلّي فيه؟ قال: نعم، قلت: يشربون الخمر، قال: نعم نشتري الثياب السابريّة

______________________________

(1) الوسائل باب 74 من أبواب النجاسات: ح 1.

(2) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 9.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 90

فنلبسها، و لا نغسلها «1».

تقريب الدلالة لائح ممّا ذكرنا في خبر الحميريّ.

و منها: خبر أبي عليّ البزّاز عن أبيه قال: سألت جعفر بن محمّد عليه السّلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب، أصلّي فيه قبل أن يغسل؟ قال: لا بأس، و ان يغسل أحبّ إليّ «2».

و منها: خبر الحلبيّ قال سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن الصلاة في ثوب المجوسيّ فقال:

يرشّ بالماء «3».

و منها: خبر المعلّى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس بالصلاة في الثياب الّتي تعملها المجوس و النصارى و اليهود «4».

و منها: خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له: الطيلسان يعمله المجوس، أصلّي فيه؟ قال: أ ليس يغسل بالماء؟ قلت: بلى، قال: لا بأس. قلت: الثوب الجديد يعمله الحائك أصلّي فيه؟ قال: نعم «5».

تقريب الدلالة: إنّه من المعلوم عادة ان الثوب أو الطيلسان «6» الذي يعمله المجوسيّ و أهل الكتاب يلاقيه أبدانهم، و لا أقلّ أيديهم بالرطوبة و مع ذلك نفى البأس و جوّز الصلاة فيه، و لا يكاد يتمّ ذلك على القول بنجاستهم ذاتا كما لا يخفى و أمّا علي القول بطهارتهم ذاتا فيتمّ لأنّه لم يعلم أنّه يكون ذلك مع نجاسة عرضيّة. و قد ورد في خبر البزّار: و ان يغسل أحبّ إليّ.

______________________________

(1) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 7.

(2) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 5.

(3) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 3.

(4) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 2 و 6.

(5) الوسائل باب 73 من أبواب النجاسات: ح 2 و 6.

(6) في مجمع البحرين الطيلسان مثلثة اللّام ثوب يحيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل و الخياطة و هو من لباس العجم، و في المنجد الطيلسان كساء أخضر يلبسه الخواصّ من المشايخ و العلماء و هو من لباس العجم.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 91

فهذه الطائفة من الأخبار تدلّ على عدم نجاسة أهل الكتاب و المجوس ذاتا.

فتحصّل تماميّة دلالة غير واحد من الأخبار على طهارة الكتابيّ، بل

يظهر من جملة منها أنّ ذلك كان مغروسا في أذهان الرواة، و لقد أجاد بعض الأساطين قدّس سرّه حيث قال:

«إنّ إمعان النظر في الأخبار في كيفيّة الأسئلة يكون أصدق شاهد على مغروسيّة طهارة أهل الكتاب في أذهان الرواة، و خلوّ أذهانهم عن نجاستهم ذاتا، و هم من عظماء الشيعة و حملة الأحاديث و قد أقرّهم الإمام عليه السّلام على ذلك، و الذي أوقعهم في السؤال عن مخالطتهم إنّما هو عدم اجتنابهم عن النجاسات- كالميتة و لحم الخنزير، و البول و المني- فيكونوا بسبب ذلك في معرض النجاسة العرضيّة إلى أن قال:

«و لو لا مغروسيّة الطهارة في أذهان أجلّاء الرواة لكان تقييد السؤال بالنجاسة العرضيّة لغوا محضا، فيستفاد من الأسئلة المذكورة أنّ احتمال النجاسة الذاتيّة لأهل الكتاب لم يكن قد طرق أذهان السائلين إلى زمان الغيبة الصغرى و إنّما حدثت شهرة القول بالنجاسة في الأزمنة المتأخّرة عن المعصومين عليهم السّلام حتّى شاع و ذاع بين العوامّ و صار مغروسا في أذهانهم من جهة اتّباع فتوى العلماء الأعلام و مراجع التقليد. انتهى «1».

فتحصّل ممّا ذكرنا بطوله: عدم دلالة قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ على نجاسة أهل الكتاب و عدم تماميّة الأمر الاعتباريّ لنجاستهم و عدم تماميّة دلالة الأخبار على نجاستهم، نعم في بعضها إشعار على ذلك.

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة: ج 3/ 93.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 92

و لكن عرفت تماميّة دلالة الأخبار على طهارتهم و إن كان في دلالة بعضها على الطهارة إبهام و إجمال، و لكن في ظهور بعضها الآخر في الطهارة، بل صراحة بعضها فيها كفاية، بل في بعضها دلالة واضحة على أنّ نجاستهم بلحاظ عدم اجتنابهم عن الميتة و الخمر

و الخنزير و سائر النجاسات.

و يمكن أن يجعل هذه الأخبار مفسّرة و شارحة للأخبار المشعرة أو الدالّة على نجاستهم و أنّ نجاستهم عرضيّة.

و قد عرفت عدم تماميّة الإجماع في المسألة لوجود الفتوى بطهارتهم قديما و حديثا، و إن كان المشهور بينهم القول بالنجاسة.

و لو تمّ الإجماع فلا يكاد ينفع، لأنّه لم يكن تعبديّا، لأنّه من المظنون جدّا لو لم ندّع القطع بأنّ الإجماع مدركيّ و مستندهم في ذلك دلالة الآية الشريفة و الأخبار الّتي عرفت استدلالهم بها للنجاسة، و ظهر لك ضعف دلالتها عليها.

مقتضى الأصل في المسألة

فبعد تماميّة ما استدلّ به لطهارة الكتابيّ لا تصل النوبة إلى الأصل، لأنّه دليل حيث لا دليل و لكن مع ذلك لا بأس بالإشارة إلى مقتضى الأصل على تقدير عدم تماميّة ما استدلّ به لطهارتهم أيضا تتميما للفائدة. فنقول:

مقتضى الأصل في كلّ ما شك في طهارته و نجاسته الطهارة، فإذا لم يتمّ شي ء ممّا استدلّ به لنجاسة أهل الكتاب و لا لطهارتهم فالأصل الطهارة، فمقتضى الأصل يلائم القول بالطهارة.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 93

الاستيناس بل الاستشهاد لطهارة الكتابيّ من نواح أخر

اشارة

ربمّا يؤيّد بل يستشهد لطهارة الكتابيّ من نواح أخر.

الناحية الأولى ما دلّ على جواز تغسيل الكتابيّ أو الكتابيّة للميّت المسلم أو المسلمة عند فقد المماثل و المحرم.

ففي موثّق عمار الساباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت: فإن مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا إمرة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصارى و نساء مسلمات ليس بينه و بينهنّ قرابة، قال: يغتسل النصارى ثمّ يغسلونه فقد اضطرّ، و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها و معها نصرانيّة و رجال مسلمون (ليس بينها و بينهم قرابة) قال:

يغتسل النصرانيّة ثمّ تغسلها «1».

و في خبر عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه: عن عليّ عليه السّلام قال: أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم نفر، فقالوا: إنّ امرأة توفّيت معنا و ليس معها ذو محرم، فقال: كيف صنعتم؟ فقالوا: صببنا عليها الماء صبّا، فقال: أو ما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا: لا. قال: أفلا يممّوها «2».

و عن فقه الرضويّ: فإن مات ميت بين رجال نصارى و نسوة مسلمات، غسله

______________________________

(1) الوسائل باب 19 من أبواب غسل الميّت: ح 1.

(2) الوسائل باب 19 من أبواب غسل الميّت: ح 2.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 94

الرجال النصارى بعد ما يغتسلون، و إن كان الميّت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين، و نسوة نصرانيّة اغتسلت النصرانيّة و غسلتها «1».

و المشهور بين القدماء و المتأخّرين العمل بمضمون الموثّق قال في الجواهر: على المشهور كما حكاه جماعة منهم الشهيدان بل في الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفا سوى المحقّق في المعتبر و في التذكرة نسبته إلى علمائنا إلى أن قال:

«و الحاصل أنّه لا إشكال

في تحقّق الشهرة هنا في الجملة و إن اختلفت بعض عباراتهم بالنسبة إلى ذكر ذلك و عدمه و بالحكم صرّح في المقنعة و التهذيب و الوسيلة و المنتهى و القواعد و الإرشاد و اللمعة و البيان و الروض الجنان و الروضة و الذخيرة و الحدائق و عن المبسوط و النهاية و المراسم و الصدوقين و ابن الجنيد و الصهرشتي و ابن سعيد، و هو الأقوى «2».

تقريب الدلالة: إنّ مقتضى القاعدة بناء على اشتراط نجاسة أهل الكتاب ذاتا هو سقوط الغسل عند فقد المماثل و المحرم و يتيمّم المتوفّى لأنّه على تقدير نجاستهم يزيد الميّت نجاسة مع أنّه ورد النص و الفتوى على أنّه عند ذلك يغتسل النصرانيّ أو النصرانيّة ثمّ يغسّله أو تغسّلها، فهذا يدلّ على طهارتهم الذاتيّة، فيباشرون الغسل بعد تطهير بدنهم عن القذارات.

و القائلون بنجاسة أهل الكتاب وقعوا في حيص و بيص في ذلك فقد يقال:

1- إن اغتسال النصرانيّ أو النصرانيّة لعلّه بلحاظ رفع مرتبة من القذارة الظاهرة و ان لم تحصل الطهارة المعنويّة.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب 18 من أبواب غسل الميّت: ح 1.

(2) جواهر الكلام: ج 4/ 59.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 95

2- أو يحمل على عدم كون هذا الغسل حقيقيّا بل هو صورة الغسل و المأمور به الغسل (بالفتح) و الغمس في الماء مثلا دفعا للسموم الخارجة من بدن الميّت و لأن ينظف، و يبرأ من أدناس أمراضه و ما أصابه من صنوف علله تحفّظا من سراية الأذى و الأمراض إلى الناس.

3- أو أنّ ما دلّ على جواز ذلك من الأخبار الدالّة على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة.

4- أو أنّ تغسيل النصرانيّة أو النصرانيّ بالماء الكثير.

5- أو

إسقاط طهارة الماء لحفظ المماثلة لأهميّة حفظ المماثلة من طهارة الماء.

6- أو أنّ تغسيلهما بالماء بصبّ الماء من الإبريق و نحوه من دون ملاقاة بدنه لبدن الميّت.

إلى غير ذلك من الوجوه غير المرضيّة، و التكلّفات غير السديدة كما لا يخفى.

الناحية الثانية ما دلّ على نكاح الكتابيّة

يستدلّ لجواز نكاح الكتابيّة بالكتاب و السنّة.

أمّا الكتاب فقوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ- إلى قوله تعالى- وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ «1».

______________________________

(1) المائدة: 5.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 96

أفاد أستاذنا العلّامة الطباطبائيّ قدّس سرّه في تفسيره القيّم: إنّ الإتيان في متعلّق الحكم بالوصف أعنى ما في قوله تعالى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ من غير أن يقال: من اليهود و النصارى مثلا، أو يقال: من أهل الكتاب لا يخلو من إشعار بالعلّيّة و اللّسان لسان الامتنان و المقام مقام التخفيف و التسهيل، فالمعنى: إنّا نمتن عليكم بالتخفيف و التسهيل في رفع حرمة الازدواج بين رجالكم و المحصنات من نساء أهل الكتاب لكونهم أقرب إليكم من سائر الطوائف غير المسلمة و هم أوتوا الكتاب و أذعنوا بالتوحيد و الرسالة بخلاف المشركين و الوثنين المنكرين للنبوّة و يشعر بما ذكرنا أيضا تقييد قوله أُوتُوا الْكِتٰابَ بقوله مِنْ قَبْلِكُمْ فإنّ فيه إشعارا واضحا بالخطط و المزج و التشريك و كيف كان لمّا كانت الآية واقعة موقع الامتنان و التخفيف. لم تقبل النسخ بمثل قوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ «1» و قوله تعالى:

وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ «2» و هو ظاهر.

على أنّ الآية الأولى واقعة في سورة البقرة، و هي أول سورة مفصلة نزلت بالمدينة قبل

المائدة، و كذا الآية الثانية واقعة في سورة الممتحنة، و قد نزلت بالمدينة قبل الفتح فهي أيضا قبل المائدة نزولا، و لا وجه لنسخ السابق للاحق.

مضافا إلى ما ورد من: ان المائدة آخر ما نزلت على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فنسخت ما قبلها، و لم ينسخها شي ء «3».

______________________________

(1) البقرة: 221.

(2) الممتحنة: 10.

(3) فعن الدر المنثور: ج 2/ 252: عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ان سورة المائدة آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها و حرموا حرامها.

و عن البحار ج 92/ 274 عن العياشي بإسناده عن عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، و انما يؤخذ من أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بأخرة، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شي ء، فلقد نزلت عليه و هو على بغلته الشهباء، و ثقل عليه الوحي حتّى وقفت، و تدلى بطنها حتّى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض و أغمي على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى وضع يده على ذؤابة شيبة وهب الجمحي ثمّ رفع ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقرا علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم سورة المائدة فعمل رسول اللّه و علّمناه.

و عن مجمع البيان مرسلا عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى (لٰا تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اللّٰهِ): أنّه لم ينسخ من هذه السورة شي ء.

و في صحيح زرارة الوسائل باب 38 من أبواب الوضوء ح 6 عن أمير المؤمنين عليه السّلام

إنما أنزلت المائدة قبل ان يقبض بشهرين أو ثلاثة.

و عن العياشي نحوه ج 1/ 215

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 97

على انك عرفت في الكلام على قوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ «1» في الجزء الثاني من الكتاب ان الآيتين: اعني آية البقرة و آية الممتحنة اجنبيّتان من الدلالة على حرمة نكاح الكتابيّة «2». انتهى.

و قال قدّس سرّه في ذيل قوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ «3».

«إنّ لفظ المشركين في القرآن غير ظاهر الإطلاق على أهل الكتاب بخلاف لفظ الكافرين، بل إنّما أطلق فيما يعلم مصداقه على غيرهم من الكفّار كقوله تعالى لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ «4» و قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «5» و قوله تعالى:

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ «6» و قوله تعالى وَ قٰاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً «7» و قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «8» إلى غير ذلك من الموارد. إلى أن قال:

______________________________

(1) البقرة: 221.

(2) تفسير الميزان: ج 5/ 205.

(3) البقرة: 221.

(4) البينة: 1.

(5) التوبة: 28.

(6) التوبة: 7.

(7) التوبة: 36.

(8) التوبة: 5.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 98

إنّ ظاهر قوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ، قصر التحريم على المشركات و المشركين من الوثنيّين دون أهل الكتاب ثمّ قال:

و من هنا يظهر فساد القول بأنّ الآية ناسخة لآية المائدة و هي قوله تعالى:

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ «1».

أو أنّ الآية أعني قوله وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ، و آية الممتحنة أعني قوله تعالى وَ

لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ «2»، ناسختان لآية المائدة، و كذا القول بأنّ آية المائدة ناسخة لآيتي البقرة و الممتحنة.

وجه الفساد أنّ هذا الآية أعني آية البقرة بظاهرها لا تشمل أهل الكتاب و آية المائدة لا تشمل إلّا الكتابيّة، فلا نسبة بين الآيتين بالتنافي حتّى تكون آية البقرة ناسخة لآية المائدة أو منسوخة بها و كذا آية الممتحنة و إن أخذ فيها عنوان الكوافر و هو أعم من المشركات و يشمل أهل الكتاب فإنّ الظاهر أنّ إطلاق الكافر يشمل الكتابيّ بحسب التسمية بحيث يوجب صدقه عليه انتفاء صدق المؤمن عليه كما يشهد به قوله تعالى مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِلّٰهِ وَ مَلٰائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكٰالَ فَإِنَّ اللّٰهَ عَدُوٌّ لِلْكٰافِرِينَ «3».

إلّا أنّ ظاهر الآية كما سيأتي إن شاء اللّه العزيز أنّ من آمن من الرجال و تحته زوجة كافرة يحرم عليه الإمساك بعصمتها أي إبقائها على الزوجيّة السابقة إلّا أن

______________________________

(1) المائدة: 5.

(2) الممتحنة: 10.

(3) البقرة: 98.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 99

تؤمن فتمسك بعصمتها فلا دلالة لها على النكاح الابتدائيّ للكتابيّة.

و لو سلّم دلالة الآيتين: أعني آية البقرة و آية الممتحنة على تحريم نكاح الكتابيّة ابتداء لم تكونا بحسب السياق ناسختين لآية المائدة و ذلك لأنّ آية المائدة واردة مورد الامتنان و التخفيف على ما يعطيه التدبّر في سياقها، فهي آبية عن المنسوخيّة، بل التخفيف المفهوم منها هو الحاكم على التشديد المفهوم من آية البقرة فلو بني على النسخ كانت آية المائدة هي الناسخة.

على أنّ سورة البقرة أوّل سورة نزلت بالمدينة بعد الهجرة و سورة الممتحنة نزلت بالمدينة قبل فتح مكة و سورة المائدة آخر سورة نزلت على رسول اللّه صلى اللّه

عليه و آله و سلّم ناسخة غير منسوخة و لا معنى لنسخ السابق اللّاحق. انتهى «1». هذا بالنسبة إلى مفاد الآية الشريفة.

إذا أحطت خبرا بما ذكرنا ظهر لك عدم ملاءمة ما ورد من أنّ مفاد الآية الشريفة منسوخة بقوله تعالى لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ كما أنّ مفاد بعضها الآخر أنّها منسوخة بقوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ كما أنّ في بعضها الثالث أنّها منسوخة بهما مضافا إلى أنّ المعلوم كما أفيد أنّ النسخ بأحدهما لا يجتمع مع النسخ بالأخرى لاستحالة نسخ الشي ء و رفعه بعد زواله و ارتفاعه «2».

و كيف كان، الأخبار في نكاح الكتابيّة مختلفة- نشير إلى بعض أخبار الباب بعنوان النموذج- ففي بعضها عدم جواز نكاحها مطلقا و في بعضها أنّها منسوخة بقوله تعالى:

______________________________

(1) تفسير الميزان: ج 2/ 203.

(2) جواهر الكلام: ج 30/ 34.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 100

وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ.

ففي خبر زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

(وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فقال: هي منسوخة بقوله (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ) «1».

و في بعضها الآخر أنّها منسوخة بقوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ كما في خبر حسن بن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السّلام: يا أبا محمّد ما تقول في رجل تزوّج نصرانيّة على مسلمة قال: قلت جعلت فداك، و ما قولي بين يديك؟! قال:

لتقولنّ، فإنّ ذلك يعلم به قولي. قلت: لا يجوز تزويج النصرانيّة على مسلمة و لا غير مسلمة، قال: و لم؟ قلت لقول اللّه عز و جل (وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ) قال:

فما تقول في هذه الآية (وَ الْمُحْصَنٰاتُ

مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)؟ قلت:

فقوله (وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ) نسخت هذه الآية، فتبسّم، ثمّ سكت «2».

و في ثالث أنّها منسوخة بالآيتين كما في خبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام: إنّ قوله تعالى (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ) منسوخ بقوله تعالى (وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ)، و بقوله تعالى (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ) «3».

و قد عرفت عدم ملاءمة ناسخيّتها لها فلاحظ.

و مقتضى بعضها جواز نكاح الكتابيّة مطلقا- دواما أو انقطاعا، كانت عنده المسلمة و عدمها.

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 1.

(2) الوسائل باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 3.

(3) الوسائل باب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 7.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 101

ففي صحيح معاوية بن وهب و غيره جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل المؤمن يتزوّج اليهوديّة و النصرانيّة؟ فقال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة و النصرانيّة؟! فقلت له: يكون له فيها الهوى، قال: ان فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و اعلم أنّ عليه في دينه غضاضة «1».

و في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهوديّة، و لا نصرانيّة و هو يجد مسلمة حرّة أو أمة «2» و في بعضها عدم جواز تزويج الكتابيّة على المسلمة و جواز العكس.

ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تتزوّجوا اليهوديّة و لا النصرانيّة على حرّة متعة و غير متعة «3».

و خبر سماعة بن مهران قال: سألته عن اليهوديّة و النصرانيّة أ

يتزوجها الرجل على المسلمة؟ قال: لا و يتزوّج المسلمة على اليهوديّة و النصرانيّة «4».

و في بعضها جواز نكاحها انقطاعا.

ففي خبر زرارة قال: سمعته يقول: لا بأس أن يتزوّج اليهوديّة و النصرانيّة متعة و عنده امرأة «5».

و في بعضها جواز نكاحها بملك اليمين.

ففي خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل المسلم يتزوّج

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 1.

(2) الوسائل باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 2.

(3) الوسائل باب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 5.

(4) الوسائل باب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 2.

(5) الوسائل باب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 2.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 102

المجوسيّة؟ فقال: لا و لكن إذا كانت له أمّة مجوسيّة فلا بأس ان يطأها و يعزل عنها و لا يطلب ولدها «1» و نحوه خبر عبد اللّه بن الحسن الدينوريّ «2».

و في بعضها جواز نكاحها عند الضرورة.

ففي خبر يونس عنهم عليهم السّلام: قال: لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوّج الأمة إلّا أن لا يجد حرّة، و كذلك لا ينبغي له أن يتزوّج امرأة من أهل الكتاب إلّا في حال ضرورة حيث لا يجد مسلمة حرّة و لا أمة «3».

و في بعضها جواز نكاح الكتابيّة المستضعفة.

ففي خبر زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام إنّي أخشى أن لا يحلّ لي أن أتزوّج ممّن لم يكن على أمري؟ فقال: و ما يمنعك من البله، قلت: و ما البله؟ قال: هنّ المستضعفات من اللّاتي لا ينصبن و لا يعرفن ما أنتم عليه «4».

و

خبر آخر له قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن نكاح اليهوديّة و النصرانيّة؟ فقال: لا يصلح للمسلم أن ينكح يهوديّة و لا نصرانيّة إنّما يحلّ منهنّ نكاح البله «5».

إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في عدّة أبواب من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه من الوسائل فلاحظ.

و لا يخفى أنّ اختلاف الأخبار صار منشأ لاختلاف الفتاوى.

فمنهم من منع نكاح الكتابيّة مطلقا حتّى الوطأ بملك اليمين.

______________________________

(1) الوسائل باب 6 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 1.

(2) الوسائل باب 6 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 2.

(3) الوسائل باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 3.

(4) الوسائل باب 3 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 2.

(5) الوسائل باب 3 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 1.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 103

و منهم من خصّ الجواز بملك اليمين و منهم من أضاف بملك اليمين التمتّع بها و منهم من فصل بين الاضطرار و عدمه في الدائم و الجواز مطلقا متعة. و عن الشيخ في المبسوط أنّه قد أجاز أصحابنا كلّهم التمتّع بالكتابيّة و وطأها بملك اليمين.

ذهب صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى الجواز مطلقا وفاقا للحسن و الصدوقين على كراهية متفاوتة في الشدّة، و الضعف بالنسبة إلى الدائم و المنقطع و ملك اليمين، و بالنسبة إلى من يستطيع نكاح المسلمة و غيره، و بالنسبة لمن تكون عنده المسلمة و غيره، و بالنسبة إلى البلة و المستضعف منهنّ و غيرها كما أومأت إلى ذلك كلّه النصوص كما أشرنا. لقوله تعالى وَ الْمُحْصَنٰاتُ إلى آخرها الّتي هي من سورة المائدة المشهورة في أنها محكمة لا نسخ

فيها «1».

و وافقه في ذلك الفقيه الأصفهانيّ قدّس سرّه في وسيلة النجاة، و أستاذنا العلّامة الگلبايگانيّ دام ظلّه، و العلّامة الشاهروديّ قدّس سرّه حيث وافقا الفقيه الأصفهاني في المتن و لم يعلّقا عليه و وافق الفقيه الأصفهانيّ الحجّت الكوه كمري في حاشيته على الوسيلة في خصوص المنقطع و ناقش في الدوام. و ذهب أستاذنا العلّامة الخميني قدّس سرّه في تحرير الوسيلة إلى ان الأقوى الجواز في المنقطع و أمّا في الدائم فالأحوط المنع. انتهى.

و ذهب بعض الأساطين قدّس سرّه في منهاج الصالحين إلى أنّ الأظهر الجواز في المنقطع بل في الدائم أيضا و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه و في عموم الحكم للمجوسيّة و إن كانت من الكتابيّة إشكال. انتهى.

إلى غير ذلك من الأقوال و مقتضى إطلاق الآية الشريفة و أخبار الباب و إن كان

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 30/ 31.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 104

الجواز مطلقا على كراهية شديدة متفاوتة في الشدّة و الضعف في غير المجوسيّة إلّا أنّ الأحوط المنع في الدائم و اللّه العالم.

و كيف كان فتنقيح المقال يطلب من محلّه. و الذي نحن بصدده عجالة هو أنّ تجويز مناكحة أهل الكتاب و مخالطتهم الكذائية يلازم عادة ملاقاتهم إيّاهنّ مع الرطوبة في كلّ يوم مرّات، فلو كنّ نجسات ذاتا لكان الحريّ أن ينبّه عليها في الأخبار و الفتاوى لئلّا يتلوّث أبدانهم و لم يشر إليها في شي ء من الأخبار، بل قد نبّه على نجاستهم العرضيّة ففي صحيح معاوية بن وهب المتقدّم آنفا تجويز الزواج من اليهوديّة و النصرانيّة قال: إنّ فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير «1».

و لقد أجاد سيّدنا الحكيم قدّس سرّه: إنّ النظر في

روايات نكاح الكتابيّة متعة أو مطلقا على كثرتها و اشتهارها و عمل الأصحاب بها لم تتعرّض للتنبيه على نجاستها، فإنّ الملابسات و الملامسات الّتي تكون بين الزوج و الزوجة لا تمكن مع نجاسة الزوجة و لم يتعرّض في تلك النصوص للإشارة إلى ذلك. «2» انتهى.

فما وقع في كلمات القائلين بنجاسة أهل الكتاب في ذلك غير وجيه فربّما يقال: إن دلالة الأخبار على تزويج الكتابيّة غير صريح في الجواز اختيارا و على تقدير الدلالة لا يستلزم طهارتها و قد أوضح ذلك كما في تقرير سيّد مشايخنا الگلبايگانيّ قدّس سرّه في ردّ مقال سيّدنا الحكيم قدّس سرّه.

أولا: إنّ تحفّظ الزوج نفسه من تأثّره بنجاستها أمر ممكن.

و ثانيا: إنّ مباشرة الرجل المسلم زوجته المسلمة أيضا ربما تكون ملازمة للنجاسة عرفا و مع ذلك لم تتعرّض أخبار النكاح و المضاجعة لذكر ذلك و للزوم

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه: ح 1.

(2) مستمسك العروة الوثقى: ج 1/ 376.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 105

التطهير فهل هذا دليل على عدم النجاسة أو عدم لزوم التطهير إلى أن قال:

و الجواب في المقامين (يعني جواز تغسيل النصرانيّ أو النصرانيّة للرجل المسلم أو المسلمة و نكاح الكتابيّة) أنّ لزوم تطهير الثوب و البدن إذا تأثّر بالنجاسة مذكور في موضعه و موكول إلى محلّة «1».

قلت: و أنت خبير بوضوح دلالة الأخبار على جواز تزويج الكتابيّة اختيارا، و عمل بها الأصحاب كما صرّح بذلك في المستمسك.

و لا يخفى أنّه ليس المدّعى إثبات الملازمة العقليّة حتّى ينفي بل المدّعى أنّ الملازمة العادية بين الملابسات و الملامسات بين الزوج و الزوجة يقتضي ذلك هذا.

و كم فرق بين تنجّس الزوج المسلم

بملاقاة زوجته المسلمة إذا كانت نجسة أحيانا و بين كون الزوجة نجسة دائما فعدم تعرّض أخبار النكاح لذكر ذلك في الصورة الأولى لا بأس به كما لا يخفى و أمّا في الصورة الثانية فلا يكاد يلائم عدم التعرّض لها.

و مجرد ذكر لزوم تطهير الثوب أو البدن المتنجّس في محلّه لا يكفى كما لا يخفى.

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه يمكن للفقيه أن يتفطّن عدم نجاستهم الذاتيّة ممّا دلّ على جواز نكاح الكتابيّة و اللّه العالم بأحكامه.

الناحية الثالثة ما دلّ على جواز اتّخاذ الكتابيّة ظئرا «2»

ففي خبر سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تسترضع الصبيّ المجوسيّة،

______________________________

(1) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 96.

(2) الظئر: العاطفة على ولد غيرها: المرضعة له كذا في المنجد و الأصل في الظئر العطف، و منه ناقة مظؤورة: إذا عطفت على ولد غيرها فسمّيت المرضعة ظئرا لأنّها تعطف على الرضيع.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 106

و تسترضع اليهوديّة و النصرانيّة و لا يشربن الخمر يمنعن من ذلك «1».

و في خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لبن اليهوديّة و النصرانيّة و المجوسيّة أحبّ إليّ من ولد الزنا «2».

قلت: لا يخفى أنّ في لبنهما حزازة و الكلام في النجاسة و حيث إنّ لبن ولد الزنا طاهر فلبن اليهوديّة و النصرانيّة أيضا طاهر و يكون نظره عليه السّلام أنّه عند الدوران بين لبنهما و لبن الزانية يكون لبنهما أحبّ إلى من لبنها.

و في خبر عبد اللّه بن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن مظائرة المجوسيّ قال: لا، و لكن أهل الكتاب «3».

و خبره الآخر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أرضعوا لكم فامنعوهم من شرب الخمر «4».

و خبر الحلبيّ

قال: سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسيّة ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته؟ قال: ترضعه لك اليهوديّة أو النصرانيّة في بيتك و تمنعها من شرب الخمر و ما لا يحلّ مثل لحم الخنزير و لا يذهبنّ بولدك إلى بيوتهنّ و الزانية لا ترضع ولدك فإنّه لا يحلّ لك و المجوسيّة لا ترضع لك ولدك إلّا أن تضطرّ إليها «5».

و خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام: قال سألته عن الرجل المسلم

______________________________

(1) الوسائل باب 76 من أبواب أحكام الأولاد: ح 1.

(2) الوسائل باب 76 من أحكام الأولاد: ح 2.

(3) الوسائل باب 76 من أبواب أحكام الأولاد: ح 3.

(4) الوسائل باب 76 من أبواب أحكام الأولاد: ح 4.

(5) الوسائل باب 76 من أبواب أحكام الأولاد: ح 6.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 107

هل يصلح له أن يسترضع اليهوديّة و النصرانيّة و هنّ يشربن الخمر؟ قال: امنعوهنّ من شرب الخمر ما أرضعن لكم «1».

إلى غير ذلك من الأخبار.

تقريب الدلالة: أنّهم عليهم السّلام جوّزوا الارتضاع من لبن مرضعة أهل الكتاب إذا نهيت عن شرب الخمر و لحم الخنزير و سائر النجاسات زمن الرضاعة و لو كانت المرضعة نجسة ذاتا لتنجّس الرضيع فتنجس الأمّ و الأب و سائر المتعلّقين و المتعلّقات طبعا و لا مخلص عنه و لم يكن في الأخبار إشارة إلى نجاستهم الذاتيّة، و غاية ما يستفاد نهيهنّ عن شرب الخمر و أكل لحم الخنزير و سائر النجاسات فيستفاد منها بوضوح عدم نجاسة أهل الكتاب إذا نهوا عن النجاسات.

فلا وقع لما وقع في بعض الكلمات: من أنّ النهى عن شرب الخمر و ما لا

يحلّ مثل لحم الخنزير، لا يدلّ على طهارة أهل الكتاب ذاتا، لأنّ إنبات لحم الطفل يكون من لحم الخنزير و الخمر و لهما أثران وضعيّان، و هما أشدّ نجاسة من النجاسة الذاتيّة في اليهود و النصارى و لذا أمر عليه السّلام بمنعهنّ من أكل لحم الخنزير و شرب الخمر كما لا يخفى.

يستفاد من إطلاق الأخبار جواز استرضاع اليهوديّة و النصرانيّة بل المجوسيّة في غير حال الضرورة إذا نهين عن شرب الخمر و لحم الخنزير و سائر النجاسات فما وقع في بعض عبائر الفقهاء من اختصاص تجويزه لصورة الاضطرار إنّما هو بلحاظ جريهم على فتواهم بنجاسة أهل الكتاب و لازم فتواهم بنجاستهم من دون أن يكون لذلك في الأخبار عين و لا أثر و لذا ترى الفقيه الأصفهانيّ قدّس سرّه بعد أن صرّح

______________________________

(1) الوسائل باب 76 من أبواب أحكام الأولاد: ح 7.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 108

و وافقه ظاهرا الفقهاء برجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خلقا و خلقا لرضاع الأولاد، و مرجوحيّة اختيار أضدادهم و لا سيّما الكافر، قال: و إن اضطرّ إلى استرضاعها عنها فليختر اليهوديّة و النصرانيّة على المشركة و المجوسيّة «1».

الناحية الرابعة ما دلّ على جواز اشتراط ضيافة مارّة العساكر بل المسلمين- مجاهدين أولا- على الكتابيّ

ورد في غير واحد من الأخبار و عليه الفتوى، بل حكي اشتهار الأخبار و الفتوى على جواز اشتراط ضيافة مارّة العساكر بل المسلمين على الكتابيّين بل في منتهى العلّامة لا أجد فيه خلافا بل في التذكرة الإجماع عليه.

نشير إلى بعض أخبار الباب و بعض فتاوى الأصحاب و من أراد تفصيل الحال فليراجع إلى مظانّه.

فعن سنن البيهقيّ عن أبي الجويرث:

«إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ضرب على نصارى إيلة ثلاثمأة دينار كلّ سنة، و أن يضيفوا

من مرّ بهم من المسلمين ثلاثا، و أن لا يغشّوا مسلما «2».

و عنه عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول اللّه إنّك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: إن نزلتم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف

______________________________

(1) الوسيلة: ج 3/ 183.

(2) سنن البيهقي: ج 9/ 195/ 197 كتاب الجزية، باب كم الجزية.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 109

فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقّ الضيف الذي ينبغي لهم.

و في قرب الإسناد: عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:

أمر بالنزول على أهل الذمّة ثلاثة أيّام.

و فيه: عن أبي البختريّ عن جعفر بن محمّد عن أبيه: ينزل المسلمون على أهل الذمّة في أسفارهم و حاجاتهم و لا ينزل المسلم على المسلم إلّا بإذنه «1».

إلى غير ذلك من الأخبار.

قال الشيخ قدّس سرّه في المبسوط:

يجوز أن يشرط عليهم (أهل الذمّة) ضيافة من مرّ بهم من المسلمين مجاهدين و غير مجاهدين لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ضرب على نصارى إيلة ثلاثمأة دينار و أن يضيفوا من مرّ بهم من المسلمين ثلاثا و لا يغشّوا فإذا ثبت ذلك احتاج إلى شرطين إلى أن قال: و يكون القوت معلوما و لكلّ رجل كذا و كذا رطلا من الخبز و كذا من الإدام من لحم و جبن و سمن، و زيت و سيرج «2». إلخ «3».

و قال المحقّق في الشرائع:

و يجوز أن يشترط عليهم مضافا إلى الجزية ضيافة مارّة العساكر و يحتاج أن تكون الضيافة معلومة و لو اقتصر على الشرط وجب «4».

قال الشهيد الثاني

في المسالك:

______________________________

(1) قرب الإسناد: 39/ 62.

(2) السيرج: هو دهن السمسم و يقال: الشيرج بالسين المعجمة معرّب شيره كذا في أقرب الموارد.

(3) المبسوط: ج 2/ 38.

(4) شرائع الإسلام: ج 1/ 329.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 110

و كما يجوز اشتراط ضيافة مارّة العساكر يجوز ضيافة مطلق المارّة من المسلمين، بل هذا هو المشهور في الأخبار و الفتاوى و هو الذي شرطه النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم «1».

قال العلّامة قدّس سرّه في التذكرة و قريب منه في المنتهى «2» و إليك نصّ ما في التذكرة.

و يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين إجماعا بل يستحبّ لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ضرب على نصارى إيلة ثلاثمأة دينار،- و كانوا ثلاثمأة نفر في كلّ سنة، و أن يضيفوا من يمرّ بهم من المسلمين ثلاثة أيّام و لا يغشّوا مسلما، و شرط على نصارى نجران إقراء رسله عشرين ليلة فما دونها و عارية ثلاثين فرسا، و ثلاثين بعيرا و ثلاثين درعا مضمونة إذا كان حدث باليمن «3».

و قال في الجواهر: عند قول المحقّق (مارّة العساكر) بل المسلمين مجاهدين أولا، كما صرّح به غير واحد، بل في المسالك هذا هو المشهور في الأخبار، و الفتاوى، و هو الذي شرطه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المنتهى بل عن التذكرة الإجماع عليه إلى أن قال:

و لكن يحتاج مع ذلك أن تكون الضيافة معلومة بأن يقدّر القوت و الإدام، و علف الدوابّ و جنس كلّ واحد منها و وصفه بما يرفع الجهالة و أيّام الضيافة كما صرّح

به غير واحد إلى أن قال:

و يعيّن القوت قدرا و جنسا فيقول: لكلّ رجل كذا و كذا رطلا من الخبز و يعيّن الإدام من لحم، و سمن، و زيت و شيرج، و يكون قدره معلوما، إلى أن قال:

______________________________

(1) مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام: ج 1/ 158.

(2) منتهى المطلب: ج 2/ 966.

(3) تذكرة الفقهاء: ج 1/ 441.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 111

لا يبعد الاكتفاء بما تقتضيه العادة في المقدار أو الجنس و الوصف و غيرهما، كما أنّ الظاهر ابتناء ذلك على طهارتهم أو قبل الحكم بنجاستهم ضرورة صعوبة التحرّز عنهم مع الضيافة عندهم و الاقتصار على الجامد و المائع الذي لم يعلم مباشرتهم له بما ينجّسه، فالمتّجه حينئذ مع الحكم بنجاستهم اشتراط الضيافة عليهم بما لا يتجنبه المسلمون من حبوبهم و نحوها «1».

قلت: و لا يخفى أنّه كما أشير إليه في الجواهر أنّ ضيافة أهل الذمّة لعساكر المسلمين و لغيرهم لا يتمّ إلّا على القول بطهارة أهل الكتاب ضرورة صعوبة التحرّز عنهم مع الضيافة عندهم و لم يعلم أنّهم كانوا يقتصرون على الجوامد و المائع الذي لم يعلم مباشرتهم له، بل المعلوم عادة خلافة و لم يكن في أخبار الباب إشعار بذلك، بل قد يقال: إنّ في بعض أخبار الباب اشتراط الزيت و العسل و نحوهما.

و من الواضح أنّ مثل الضيافة عندهم و لو لم يشترط فيها الزيت و العسل و نحوهما و اقتصر على الماء و الخبز و اللّبن المعمولين باليد في تلك الأعصار يوجب ملاقاتها و مسّها بأيديهم و لو كانوا نجسين لتنجّس الطحين و اللّبن المحلوب و ظروف الضيافة، و لعمر الحق أنّه من الوضوح بمكان يكون تصوّره مساوقا

لتصديقه.

و لك أن تتفطّن من هذه الأخبار و الفتاوى أنّ طهارة أهل الكتاب ذاتا كانت مفروغة عنها عند المسلمين.

قد أشرنا أنّه و قال سيّدنا الحكيم قدّس سرّه: إنّه يظهر من مجمع البيان المفروغيّة عن حلّ طعام الكتابيّ إذا لم تكن محتاجة إلى التذكية و إنّ الخلاف في طهارة ما هو محتاج إلى التذكية من اللحوم، و الشحوم فراجع «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 21/ 253.

(2) مستمسك العروة الوثقى: ج 1/ 377.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 112

إذا أحطت خبرا بما ذكرنا تتعجّب من مقال ما وقع من بعض القائلين بنجاسة أهل الكتاب من أنّ اشتراط ضيافة أهل الكتاب لعساكر المسلمين لا يستلزم طهارتهم، لأنّ ضيافة العسكر بإعطاء المكان و علف الدوابّ مثل ضيافة أهل مكّة للواردين و إذا ثبت نجاستهم بالدليل يظهر هنا أنّ ضيافة الطعام كانت باليابس و غير المطبوخ، مضافا إلى أنّه يحتمل أن يكون جواز هذا الشرط عليهم مطلقا، و جواز الأكل من طعامهم المطبوخ مقيّد بحال الضرورة للمسلمين و لا إشكال فيه إذ في حال الضرورة تباح الميتة أيضا. انتهى «1».

توضيح الضعف و التعجب لائح بما ذكرنا، و أظنّ أنّ صاحب المقال لم يلاحظ أخبار الباب بعين الإنصاف، و لم ينظر إلى فتاوى الأصحاب أو لم يعتن بفتاويهم، و إلّا فلعمر الحق إنّ ما ذكرناه واضح إلى النهاية.

كما أنّه لا ينقضي تعجبي ممّا ذكره أخيرا: «من أنّه ظهر من جميع ما ذكر أنّه ما كان دليل صريح على طهارتهم حتّى تعارض الأدلّة الدالّة على نجاستهم فتصل النوبة إلى الجمع بينهما». انتهى «2».

و ذلك لما عرفت جليّا عدم دلالة ما استدلّ به لنجاستهم بل تماميّة دلالة بل صراحة ما استدلّ به

لطهارتهم فلا حظ و تأمّل.

الناحية الخامسة مخالطة أئمة أهل البيت و خواصّهم مع الّذين لا يتحرّزون عن مساورة الكتابيّين

و مؤاكلتهم مع قضاء العادة باستحالة بقاء ما في أيديهم على

______________________________

(1) تقرير خطّيّ لبعض أعلام المعاصرين.

(2) تقرير خطّيّ لبعض أعلام المعاصرين.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 113

الطهارة على تقدير نجاسة أهل الكتاب.

و لا يخفى أنّ مخالطة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام و خواصّهم مع هؤلاء ليست إلّا كمخالطتنا معهم، لا سيّما في مثل هذا الزمان الذي انفتح باب المراودة مع أهل الكتاب و غيرهم من الكفّار بمصراعيه و اختلافهم و تردّدهم في مجامع المسلمين، و في جميع مجالاتهم و لكن مع ذلك كلّه لا يحصل العلم أو الاطمئنان بنجاسة أحد مساوريهم و مخالطيهم إلّا في بعض الموارد كما لا يخفى.

فإذا مع احتمال الطهارة تبنى عليها لقاعدة الطهارة، أو يحكم ببقائها على الطهارة بالاستصحاب إذا علم بالطهارة سابقا، فإثبات طهارة أهل الكتاب ذاتا من هذه الناحية غير ملائمة، نعم لا تخلو عن تأييد لإثبات طهارتهم، لأنّه على القول بنجاستهم يغلب على الظنّ عادة نجاسة ما في أيديهم كما لا يخفى على اللّبيب، و لكنّ الظنّ بالنجاسة لا يغني من الحقّ شيئا، بل لا بدّ من العلم أو الاطمئنان بها.

الناحية السادسة- و هي قريبة من السابقة- أنّ مخالطة أهل الكتاب مع المسلمين كانت دارجة في الصدر الأوّل

إلى زماننا خصوصا في المناطق الّتي يكثر فيها أهل الكتاب و أهل السنّة لا يجتنبون عنهم فقهرا يتنجّسون بمساورتهم و مؤاكلتهم.

فعلى القول بنجاسة أهل الكتاب ذاتا يلزم اجتناب الشيعة عن أهل السنّة و الجماعة و من يكون مخالطا و محشورا معهم، و الالتزام بذلك. مشكل.

و الجواب عنها يظهر ممّا ذكرناه في الناحية المتقدّمة، لأنّه بمجرّده لا يحصل العلم أو

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 114

الاطمئنان بنجاسة أهل السنّة جميعا، نعم قد يحصل ذلك في بعض الموارد، كما هو الشأن في مخالطتنا

مع أهل السنّة مع الاختلاف في عدد النجاسات و كيفيّة التطهير، بل في مخالطة الشيعة غير المبالين بالنجاسة و الطهارة، فإن حصل العلم أو الاطمئنان بنجاستهم فبها، و إلّا فمع احتمال الطهارة تبنى عليها أو يحكم ببقائها على الطهارة بالاستصحاب.

الناحية السابعة ما دلّ على رشّ الماء في البيع و الكنائس، و بيوت المجوس، و الصلاة فيها.

يشهد لذلك غير واحد من الأخبار و قد أفتى الأصحاب ظاهرا على طبقها.

فمنها: خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصلاة في البيع و الكنائس «1»، و بيوت المجوس؟ فقال: رشّ و صلّ «2».

و خبر آخر له قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في البيع و الكنائس؟ فقال:

رشّ و صلّ قال: و سألته عن بيوت المجوس؟ فقال: رشّها و صلّ «3».

و خبر ثالث له عنه عليه السّلام قال: سألته عن الصلاة في بيوت المجوس؟ فقال: رشّ و صلّه «4».

______________________________

(1) البيع جمع بيعة، و الكنائس: جمع كنيسة فسّرتا كما في المنجد بمعبد اليهود و النصارى إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد بالبيعة معبد اليهود، و الكنيسة معبد النصارى.

(2) الوسائل باب 13 من أبواب مكان المصلّي: ح 2.

(3) الوسائل باب 13 من أبواب مكان المصلّي: ح 4.

(4) الوسائل باب 14 من أبواب مكان المصلّي: ح 2.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 115

و خبر الحلبيّ قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في بيوت المجوس، و هي ترشّ بالماء؟ قال: لا بأس به «1».

و خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في بيوت المجوس؟ فقال:

رشّ و صلّ «2».

تقريب الدلالة: هو أنّ الظاهر أنّ المسلمين لم يبنوا البيع و الكنائس، و دور المجوس، و مقتضى العادة هو أنّ البنّاء و العملة

منهم، فلو كانوا أنجاسا لتنجّس البيع، و الكنائس و الدور عادة.

و واضح أنّ رشّ الماء لو لم يزد في النجاسة لما كان مطهّرا عندنا، فيلاقي بدن المصلّي و ثوبه، فلو لا طهارتهم لتنجّس بدن المصلّي و ثوبه و لما صحّت الصلاة فيها بعد الرشّ فهو قرينة على طهارتهم ذاتا و يكون الحكم بالرشّ نحو نظافة و تنزيه عن المكان كما هو المعمول و المتعارف عندنا عند النزول في بعض الأمكنة. و في قبال أبواب البيوت و فضاء الحيطان.

و لا يخفى أنّ ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى البيع و الكنائس و دور المجوس المعمولة و المعمورة بعد ظهور الإسلام، و أمّا المعمولة قبل ظهور الإسلام، فلا دليل على نجاستها، بل محكومة بالطهارة ظاهرا لأنّها كانت بيوت العبادة يعبد اللّه فيها كما لا يخفى.

و بالجملة لا دليل على نجاسة البيع و الكنائس و غيرهما المعمولة قبل ظهور الإسلام، بل الدليل قائم على طهارتها.

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب مكان المصلّي: ح 1.

(2) الوسائل باب 14 من أبواب مكان المصلّي: ح 3.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 116

الناحية الثامنة ما دلّ على جواز اتّخاذ البيع و الكنائس مسجدا.

ففي خبر عيص بن قاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البيع و الكنائس يصلّى فيها؟ قال: نعم. و سألته هل يصلح (يصحّ) بعضها (نقضها) مسجدا؟ فقال: نعم «1».

و في خبر آخر له قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البيع و الكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال: نعم «2».

تقريب الدلالة هو: إنّ البيع و الكنائس المعمولة بعد ظهور الإسلام تكون بأيدي أهل الكتاب و اليهود و النصارى عادة، فلو كانوا أنجاسا لتلوّثت البيع و الكنائس، فكيف يجعلها مسجدا مع نجاستها، مع تغيير

يسير فيها، كجهة القبلة و نحوها، مع أنّه لم يكن في الأخبار إشارة إلى لزوم تطهيرها، فهذا يدلّ على عدم نجاستهم الذاتيّة، و لم يعلم تنجّس البيع و الكنائس بالنجاسات العرضيّة فتأمّل.

فذلكة البحث

فظهر ممّا ذكرنا أنّه يمكن إثبات طهارة أهل الكتاب ذاتا من نواحي شتّى أيضا- و إن كان في دلالة بعضها خفاء- إلّا أنّ في دلالة الباقي كفاية.

و قد عرفت تماميّة ما استدلّ به لطهارتهم، كما عرفت عدم تماميّة ما استدلّ به لنجاستهم، و غاية ما يمكن أن يقال فيها- لو خلّيت و أنفسها- ظهورها في نجاستهم، و لكن مع صراحة بعض ما استدلّ به للطهارة، أو أظهريّتها بالنسبة إلى أخبار

______________________________

(1) الوسائل باب 12 من أبواب أحكام المساجد: ح 1.

(2) الوسائل باب 12 من أبواب أحكام المساجد: ح 2.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 117

النجاسة يقدّم عليها، فيحمل ما دلّ على النجاسة على الكراهة و مع الجمع الدلاليّ بينهما لا تصل النوبة إلى الترجيح بالمرجّحات لأنّها كما قرّر في محلّه، إنّما هو بعد تعذّر الجمع الدلاليّ.

و إن أبيت عمّا ذكرنا من الجمع العرفيّ الدلاليّ، و رأيت التعارض بين ما دلّ على نجاسة أهل الكتاب، و ما دلّ على طهارتهم و الأخذ بالمرجّحات فربما يرجّح ما دلّ على النجاسة بوجوه غير مرضيّة.

فمنها: موافقة ما دلّ على النجاسة لظاهر قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «1» و موافقة الكتاب من المرجّحات كما قرّر في محله، فيؤخذ بما وافق الكتاب- و هو هنا- نجاسة أهل الكتاب، و يطرح ما يخالفه.

و فيه: أنّه قد عرفت بما لا مزيد عليه، عدم شمول المشركين في الآية الشريفة لأهل الكتاب، فلا دلالة في الآية الشريفة على نجاستهم.

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد

حسن مرتضوى، لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، در يك جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1418 ه ق

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب؛ ص: 117

و منها: إنّ القول بالنجاسة مخالف للعامّة، لاتّفاقهم على طهارتهم و هو أيضا من المرجّحات كما قرّر في محلّه.

و فيه: أنّه كما عرفت أيضا أنّه لم يثبت اتفاق القول بالطهارة من العامّة، كما أنّه لم يثبت تفرّد الإماميّة بالقول بنجاستهم، بل لكلّ من فقهاء الفريقين قول بطهارتهم، و نجاستهم، و إن كان القول بالطهارة معروفا لدى العامّة و القول بالنجاسة معروفا لدى الإماميّة.

و منها: إنّ ما دلّ على الطهارة جارية مجرى التقية لموافقتها مذهب العامّة فيؤخذ بما دلّ على النجاسة.

______________________________

(1) التوبة: 28.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 118

و فيه: أنّه كما أشرنا لم يثبت اتّفاقهم على القول بالنجاسة. مضافا إلى أنّه من المستبعد جدا أن يكون صدور الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالّة على الطهارة، جارية مجرى التقيّة.

و منها: إنّ أخبار الطهارة معرض عنها، فلا يعتنى بها و إن كانت صحيحة السند، و مشهور الرواية.

و فيه: أنّه كما أشرنا أنّه لم يثبت إعراض الأصحاب عن أخبار الطهارة.

مع أنّه قد عرفت عن صاحب مجمع البيان و بعض الأساطين قدّس سرّهما: انّ اشتهار القول بنجاستهم حدث في الغيبة الكبرى بعد معلوميّة طهارة أهل الكتاب ذاتا عند أجلّاء الرواة إلى زمان الغيبة الصغرى، فلم تتّصل الشهرة- على تقدير ثبوتها- بزمن المعصوم عليه السّلام فلا يكاد يستكشف منها قول المعصوم، أو دليل معتبر كما تقدّم.

ذكر و تعقيب

و لك أن تتفطّن ممّا ذكرنا ضعف ما عن شيخنا العلّامة الأنصاريّ قدّس سرّه فإنّه بعد الاعتراف بأظهريّة ما دلّ على طهارة أهل الكتاب ممّا دلّ

على نجاستهم، لم يعمل بأخبار الطهارة لأمرين:

1- لإعراض المشهور عنها.

2- و لنقل الإجماعات و ارتكاز نجاستهم في أذهان المتشرّعة حتّى العوامّ و النساء، و الصبيان.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 119

و ذلك لما عرفت من عدم ثبوت إعراض المشهور عنها و لو سلّم فلم يحرز كون الإعراض من قدماء الأصحاب الذي هو المناط في ذلك لا مطلق الشهرة و لو من المتأخّرين لما أشرنا إلى أقوال بعض القدماء بطهارتهم فلاحظ.

و الإجماع غير محقّق في المسألة و على تقدير تحقّقه لا يكاد ينفع إمّا لأنّ الإجماع مظنون المدرك لو لم يكن مقطوعا لأنّه من القريب جدّا كما تقدّم أن يكون مستندهم في ذلك قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، و الأخبار الظاهرة عندهم في النجاسة.

أو لما عرفت من حدوثه في الغيبة الكبرى بعد خلوّ أذهان أجلاء الرواة عن احتمال نجاستهم الذاتيّة، و لذا لم يقع السؤال عنها في خبر، و الذي أوقعهم في الشّك الموجب للسؤال هو عدم تجنّبهم عن النجاسات من لحم الخنزير و شحمه و شرب الخمر، و غيرها.

و بما ذكرنا يظهر حديث معروفيّة نجاسة أهل الكتاب و ارتكازها في أذهان المتشرّعة لأنها إنّما نشأت من شهرة القول بها بين الفقهاء و قد قرّر في محلّه أنّ مثل هذا الارتكاز لا يكاد ينفع.

فإذا لم يتمّ شي ء ممّا تشبّث به لترجيح ما دلّ على النجاسة فعند التعارض بينه و بين ما دلّ على الطهارة و عدم ترجيح في البين فالأصل الأوّلىّ كما قرّر في محلّه التساقط.

ثمّ إمّا نقول بالتخيير في الأمارتين المتعارضتين المتساويتين كما هو المشهور بين الأصحاب، فيصح الأخذ بما دلّ على الطهارة.

و أمّا لو لم نقل بالتخيير- كما عن بعض الأساطين قدّس

سره و وصلت النوبة إلى

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 120

الأصل فالمرجع عند تساقط الطائفتين هو أصالة الطهارة، فيصح الحكم بطهارة أهل الكتاب.

دفع وهم

بقي الكلام في أنّه ربما ينقدح في الذهن، بل ربما يسأل بأنّه حسبما ذكرنا يكون القول بطهارة أهل الكتاب أمرا واضحا لمن لاحظ أخبار الطائفتين، فكيف خفي ذلك على عظماء الفقهاء، و كبراء المحدثين حيث ذهبوا إلى القول بنجاستهم فما السرّ في فتواهم بالنجاسة.

و لكن يمكن أن يقال أوّلا: إنّه لم يكن القول بطهارتهم أمرا واضحا بعد ما عرفت من الوجوه الّتي استدلّ بها القائلون بنجاستهم و إنّما صرنا إليه بعد تفطّن النفس بها ببركة إفادات و إرشادات أساطين الفقه و فقهائنا المتأخّرين و كم ترك الأوّلون للآخرين.

و ثانيا: لعلّ ذلك بلحاظ استظهارهم نجاستهم من قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ببعض التقريبات المتقدّمة و قد وقع التصريح بذلك في كلامهم و قد عرفت ضعفه.

أو بتوهّم المعارضة بين ما دلّ على النجاسة و ما دلّ على الطهارة و ترجيح ما دلّ على النجاسة إمّا لموافقته لظاهر الكتاب، أو لمخالفته للعامة بتوهّم اتّفاقهم على طهارة أهل الكتاب أو أنّ ما دلّ على طهارتهم جارية مجرى التقيّة، أو كونه معرضا عنه.

إلى غير ذلك.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 121

و قد عرفت لعلّه بما لا مزيد عليه عدم استقامة شي ء منها.

ثمرة القول بطهارة أهل الكتاب

بقي شي ء و هو أنّه ما الفائدة في القول بطهارة أهل الكتاب ذاتا مع ابتلائهم بشرب الخمر، و لحم الخنزير و شحمه إلى غير ذلك من النجاسات و المتنجّسات، حيث يلوّث أبدانهم من المأكولات و المشروبات و غيرها.

و بالجملة: هم أنجاس إمّا ذاتا، أو عرضا، و إثبات طهارتهم ذاتا لا تشفي المريض، و لا تنفع العليل مع ابتلائهم بالنجاسات، و إنّما هو بحث علميّ مدرسيّ لا تنفع الأمّة الإسلاميّة في المجلوبة من بلادهم.

و لكن: يمكن أن

يقال: إنّه على تقدير القول بطهارتهم ذاتا إذا طهّر الكتابيّ بدنه أو يده جاز مباشرته و مساورته و لا ينجس طعام المسلم بإدخال يد الكتابيّ فيه بل جاز للمسلم الأكل من طعام الكتابيّ إذا لم يكن ممّا يحرم أكله و شربه للمسلم و لم يعلم ملاقاته مع أيديهم حال كونها رطبة نجسة.

و أمّا إذا علم أنّ أكله و شرابه حرام على المسلم ذاتا كلحم الخنزير و شحمه و الخمر أو لكونه ممّا يحرم أكله كلحم الأرنب و الثعلب و الضفدع و السمك الذي لا فلس له بل السمك الذي له فلس إذا لم يعلم ذكاته بل الحيوانات المحلّلة الأكل إذا لم يحرز تذكيته إلى غير ذلك من الحيوانات الّتي يحرم أكلها في مذهب الإماميّة و هم يأكلونها فلا يجوز أكلها.

و أمّا إذا شكّ في حلّيّة طعام الكتابيّ و حرمته، أو في طهارته و نجاسته، فمقتضى

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 122

قاعدة الطهارة الحكم بحلّيّته و طهارته.

و يمكن إثبات الطهارة في المعمول بأيادي أهل الكتاب و المصنوع في مكائنهم إذا لم يعلم كونها ممّا يحرم أكلها للمسلم و لم يعلم ملاقاتها مع أيديهم و أبدانهم حال كونهما رطبين نجسين.

و حيث إنّه يمكن تطهير أسافل الأيادي مع نجاسة الذراع و أعالي الأيادي كما قرّر في محلّه، لأنّ اتّصال الطاهر بالنجس لا يوجب نجاسة و إنّما ينجس بملاقاة النجس و مجرّد اتّصال أسافل اليد مثلا بأعاليها لا يمنع من حصول الطهارة لها بمجرد اتصالها بها لعدم صدق الملاقاة مع النجس عند ذلك.

و لذا يمكن تطهير أسافل جدار الغرفة مثلا إذا تنجّس تمام سطح الغرفة أو تطهير أسافل التنّور إذا تنجّس تمام سطح التنّور إلى غير

ذلك.

و بالجملة يمكن تطهير أسافل جسم إذا تنجّس تمام سطح ذلك الجسم و لا يلزم حصول الطهارة لطهارة تمام الجسم و أعاليه، و السرّ في ذلك أن مجرّد اتّصال الطاهر بالنجس لا يمنع من حصول الطهارة لها، لما ثبت في محلّه أنّ ملاقاة النجس توجب سراية النجاسة لا اتّصاله.

يشهد لما ذكرنا ما ورد في الأخبار المتقدّمة حيث سأل السائل أنّ الكتابيّ يشرب الخمر و يأكل الخنزير قال عليه السّلام: يغسل يديها و مقتضاه أنّه يمكن حصول الطهارة للكتابيّ المتنجّس بدنه بمباشرة النجاسات بغسل يديها مع بقاء أعاليها و بدنها على النجاسة، فهذا يدلّ على أنّ اتّصال أسافل الأيدي بأعاليها لا تمنع من حصول الطهارة لها.

لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، ص: 123

إذا فعلى تقدير طهارة أهل الكتاب ذاتا لا يعلم أنّ الأجناس المصنوعة في بلادهم و المجلوبة من ناحيتهم متنجّسة.

و قد وقع الفراغ من تحريره تقريبا و البحث و المذاكرة حول هذه المسألة في قمّ المحميّة حرم أهل البيت و عش آل محمّد عليه السّلام يوم الاثنين 23 جمادى الأولى من سنة ألف و أربعمائة و أربع عشر (1414) هجريّة قمريّة بيد العبد المحتاج إلى ربّه محمّد حسن المرتضويّ عفي عنه ابن سماحة آية اللّه العظمى الحاج السيّد مرتضى الحسينيّ اللنگروديّ قدّس سرّه.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، لب اللباب في طهارة أهل الكتاب، در يك جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.